لم يحضره صلىاللهعليهوآلهوسلم بنقل من حضره ، وهم واحد أو اثنان» (١).
وإذا صح هذا ـ وهو صحيح جدا لأن التاريخ لم يحدثنا عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه كان يجمع الصحابة جميعا ، ويبلغهم بكل ما يجد من أحكام ، ولو تصورناه في أقواله فلا نتصوره في أفعاله وتقريراته وهما من السنة ـ فما ذا يصنع من يريد التمسك بسنته من بعده ولنفترضه من غير الصحابة؟ أيظل يبحث عن جميع الصحابة ـ وفيهم الولاة والحكام ، وفيهم القواد والجنود في الثغور ـ ليسألهم عن طبيعة ما يريد التعرف عليه من أحكام ، أم يكتفي بالرجوع إلى الموجودين وهو لا يجزيه ، لاحتمال صدور الناسخ أو المقيد أو المخصص أمام واحد أو اثنين ممن لم يكونوا بالمدينة؟ والحجية ـ كما يقول ابن حزم ـ : لا تتقوّم إلا بهم.
والعمل بالعامّ أو المطلق لا يجوز قبل الفحص عن مخصصه أو مقيدة ، ما دمنا نعلم أن من طريقة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في التبليغ هو الاعتماد على القرائن المنفصلة ، فالإرجاع إلى شيء مشتّت وغير مدون تعجيز للأمة وتضييع للكثير من أحكامها الواقعية.
وإذا كانت هذه المشكلة قائمة بالنسبة إلى من أدرك الصحابة وهم القلة نسبيا ، فما رأيكم بالمشكلة بعد تكثر الفتوح ، وانتشار الإسلام ، ومحاولة التعرف على أحكامه من قبل غير الصحابة من رواتهم ، وبخاصة بعد انتشار الكذب والوضع في الحديث للأغراض السياسية أو الدينية أو النفسيّة؟
ومثل هذه المشكلة هل يمكن ان لا تكون أمامه صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو المسئول عن وضع الضمانات لبقاء شريعته ما دامت خاتمة الشرائع ، وقد شاهد قسما من التنكر لسنته على عهده صلىاللهعليهوآلهوسلم كما مرت الإشارة إلى ذلك في سابق من الأحاديث.
إن الشيء الطبيعي أن لا يفرض أي مصدر تشريعي على الأمة ما لم يكن
__________________
(١) تمهيد لتأريخ الفلسفة الإسلامية : ١٢٣ نقلا عنه.