من لزوم الرجوع إليهم والتأثر والتأسي بهم في أخذ الأحكام ، على ان الآية لا يتضح لها معنى غير ذلك كما أوضحناه في بداية الحديث.
الآية الثانية : قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)(١) وقد قرّب الفخر الرازي دلالتها على عصمة أولي الأمر في تفسيره لهذه الآية بقوله : «ان الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية ، ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بد وأن يكون معصوما عن الخطأ ، إذ لو لم يكن معصوما عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته ، فيكون ذلك أمرا بفعل ذلك الخطأ ، والخطأ لكونه خطأ منهي عنه ، فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد ، وأنه محال ، فثبت ان الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم ، وثبت ان كل من أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب ان يكون معصوما عن الخطأ ، فثبت قطعا أن أولي الأمر المذكور في هذه الآية لا بد وان يكون معصوما» (٢).
ولكن الفخر الرازي خالف الشيعة في دعواهم في إرادة خصوص أئمتهم من هذه الآية ، وقرب ان يكون المراد منها أهل الإجماع بالخصوص ، واستدل على ذلك بقوله : «ثم نقول : ذلك المعصوم. أما مجموع الأمة أو بعض الأمة ، لا جائز ان يكون بعض الأمة ، لأنا بيّنا ان الله تعالى أوجب طاعة أولي الأمر في هذه الآية قطعا ، وإيجاب طاعتهم قطعا مشروط بكوننا عارفين بهم ، قادرين على الوصول
__________________
(١) سورة النساء : الآية ٥٩.
(٢) التفسير الكبير : ١٠ ـ ١٤٤. ويؤيد هذا التقريب مساواتهم لله والرسول في وجوب طاعتهم مما يدل على ان جعل الإطاعة لهم ليس من نوع جعلها للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، بل هي من نوع إطاعة الله والرسول التي تجب على كل حال (المؤلف).