ومع هذه البديهة ، لا أظن أننا نحتاج بعد إلى الاستدلال على عدم التحريف بآية (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)(١) وآية (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)(٢) لأن الاستدلال بهما انما يكون مع الشك في التحريف ، ومع فرض الشك فإن هذه الآيات لا تصلح للدلالة للزوم الدور بداهة ان دلالتها على عدم التحريف في القرآن موقوفة على ان تكون هي غير محرفة ، وكونها غير محرفة موقوف على دلالتها على عدم التحريف فيه فيلزم الدور.
والظاهر ان هذا الدور لا مدفع له مع الشك.
نعم من آمن بمذهب أهل البيت عليهمالسلام وآمن بإمضائهم للكتاب الموجود ، يرتفع هذا الإشكال عنه لأن دلالة هذه الآيات على عدم التحريف في القرآن موقوف على كونها غير محرفة ، وكونها غير محرفة يثبت بإمضاء أهل البيت عليهمالسلام لها على ما هي عليه ، فهي حجة في مدلولها ، ومدلولها ظاهر في عدم تحريف القرآن ولا يتوقف على عدم التحريف في القرآن ومتى اختلف الموقوف عن الموقوف عليه ارتفع الدور.
وإمضاء أهل البيت عليهمالسلام للقرآن المتداول ضروري واخبارهم بالإرجاع إليه والتمسك به وعرض الأخبار الصحيحة عليه في غاية التواتر ، وعلى هذا فحجية ظواهر الكتاب مما لا مجال للمناقشة فيها بعد ما ثبت تواتر ما بين الدفتين ، وانه هو الكتاب المنزل من السماء من دون زيادة أو نقيصة فيه ، والشبهة الباقية ليس فيها ما يقف دون الأخذ بحجيتها كما سبق بيانه.
__________________
(١) سورة الحجر : الآية ٩.
(٢) سورة فصلت : الآية ٤٢.