بأصالة تأخر الوضع لا دليل على اعتبارها تعبدا ، الا على القول بالاصل المثبت ، ولم يثبت بناء من العقلاء على التأخر مع الشك (١).
______________________________________________________
(١) قد عرفت : ان القائل بثبوت الحقيقة الشرعية انما تتم عنده في حمل كلام الشارع على المعاني المخترعة فيما اذا علم ان استعمال الشارع قد تأخر عن وضع هذه الالفاظ لهذه المعاني عنده ، واما لو جهل تأريخ الاستعمال ولم يعلم انه تقدم على الوضع حتى لا يحمل على المعاني المخترعة ، بل يتوقف ، ام تأخر حتى يحمل عليها ، فهل هناك أصل يحرز تأخر الاستعمال عن الوضع حتى يحمل كلامه على هذه المعاني دائما ، ام لا حتى يتوقف؟
فقد يقال : بأن أصالة تأخر الاستعمال ، وهي اصالة تأخر الحادث تحرز ذلك فان الاستعمال حادث ، والاصل تأخره الى زمان يقطع بكونه بعد زمان الوضع ، فاذا احرز تأخر الاستعمال عن زمان الوضع ببركة هذا الاصل يحمل كلامه على هذه المعاني لما عرفت : من انه كلما احرزنا تأخر الاستعمال عن الوضع ترتبت ثمرة القول بالحقيقة الشرعية.
إلّا ان هذا الاصل لا يجري ، ولو جرى لا ينفع ، لان الوضع ايضا حادث ، فالاصل عدمه ايضا الى ما بعد زمان الاستعمال ، فلازمه التوقف ويتعارض الاصلان ، فلا تترتب ثمرة القول بالحقيقة الشرعية.
واما عدم جريانه ، فلأن المراد بهذا الاصل إما الاستصحاب ، وهو المستفاد من دليل لا تنقض ، أو أصالة العدم الثابتة ببناء العقلاء ، كاصالة وجود المانع ، واصالة عدم القرينة ، وامثال هذه الاصول العدمية التي مرجعها الى اصالة العدم فيما شك في تحققه. وكلاهما غير جاريين في المقام.
اما الاصل الشرعي التعبدي الذي اشار اليه المصنف بقوله : «لا دليل على اعتبارها تعبدا» ففيه :
اولا : ما عرفت : من انه لو جرى في الاستعمال لجرى في الوضع فيتعارضان.