والجلال (١) عليه تعالى ، على ما ذهب إليه أهل الحق من عينية صفاته ، يكون على الحقيقة ، فإن المبدأ فيها وإن كان عين ذاته تعالى خارجا ، إلا أنه غير ذاته تعالى مفهوما.
ومنه قد انقدح ما في الفصول ، من الالتزام بالنقل أو التجوز في ألفاظ الصفات الجارية عليه تعالى ، بناء على الحق من العينية ، لعدم المغايرة المعتبرة بالاتفاق ، وذلك لما عرفت من كفاية المغايرة مفهوما ، ولا اتفاق على اعتبار غيرها ، إن لم نقل بحصول الاتفاق على عدم اعتباره ، كما لا يخفى ، وقد عرفت ثبوت المغايرة كذلك بين الذات ومبادئ الصفات.
الخامس : إنه وقع الخلاف بعد الاتفاق على اعتبار المغايرة كما عرفت بين المبدأ وما يجري عليه المشتق ، في اعتبار قيام المبدأ به ، في صدقه على نحو الحقيقة ، وقد استدل من قال بعدم الاعتبار ، بصدق الضارب والمؤلم ، مع قيام الضرب والالم بالمضروب والمؤلم بالفتح.
والتحقيق : إنه لا ينبغي أن يرتاب من كان من أولى الالباب ، في أنه يعتبر في صدق المشتق على الذات وجريه عليها ، من التلبس بالمبدإ بنحو خاص ، على اختلاف أنحائه الناشئة من اختلاف المواد تارة ، واختلاف الهيئات أخرى ، من القيام صدورا أو حلولا أو وقوعا عليه أو فيه ، أو
______________________________________________________
(١) هذا منه على خلاف اصطلاح القوم ، فان صفات الجلال عندهم هي الصفات السلبية ، كليس بجسم ، وليس بمتحيّز ، وليس بمركب وليست له ماهية. وهم انما قالوا بالاتحاد والعينية بين الواجب وصفاته الثبوتية المعبّر عنها بالصفات الجمالية والكمالية فلا بد وان يكون الجلال في كلام المصنف تفسيرا للكمال ، وهذا جار على غير اصطلاح القوم ، كما ان الرحيم والعالم ليست من الصفات الجلاليّة بحسب الاصطلاح.