فإذا عرفت ما تلونا عليك ، فاعلم أن الاقوال في المسألة وإن كثرت ، إلا أنها حدثت بين المتأخرين ، بعد ما كانت ذات قولين بين المتقدمين (١) ،
______________________________________________________
(١) لما فرغ من الكلام على الاصل اللفظي تعرض لبيان الاصل العملي.
وحاصله : انه مع الشك في ان المشتق موضوع لخصوص المتلبس ، او للاعم منه وما انقضى عنه المبدأ فورد ـ مثلا ـ اكرم كل عالم.
فنقول : ان كان ورود الحكم بعد انقضاء المبدأ : بان كان زيد في حال ورود الحكم ليس بعالم ، ولكنه كان عالما في الزمان المنقضي ، فيشك فعلا في وجوب اكرامه ، فحيث انه لا دليل لفظي يعين ان زيدا يصدق عليه العالم او اللاعالم ، يكون وجوب اكرامه مشكوكا ، ومتى شك في اصل التكليف فالمرجع البراءة عن وجوب اكرامه.
لا يقال : انه لا داعي الى البراءة فان استصحاب عدم وجوب اكرامه يغني عن البراءة ، لأن الاستصحاب اذا جرى يغنى عن البراءة.
فانه يقال اولا : ان معنى هذا اسقاط اصل البراءة وحصرها في موارد عدم جريان الاستصحاب وهي نادرة ، فان اغلب موارد البراءة تجري فيها اصالة العدم.
ثانيا : ان هذا الاصل ليس الّا الاصل العدمي الازلي وهو لا ينبغي تقدمه على البراءة لأن هذا الاستصحاب معناه البناء على عدم التكليف والحكم اصلا في مرحلة الظاهر ، والبراءة تدل على كون التكليف الظاهري والحكم المجعول في الظاهر هو ارخاء العنان والحلية ، فالاستصحاب بالنسبة اليها كنسبه اللااقتضاء والاقتضاء. هذا اذا ورد اكرم كل عالم في حال انقضاء العالمية.
واما اذا ورد الايجاب في حال كون زيد متلبسا بالعالمية ثم بعد زالت عنه فالاستصحاب يقتضي وجوب اكرامه ، لانه كان واجب الاكرام والآن نشك في وجوب اكرامه فيستصحب وجوب اكرامه ، لكنه انما يجري فيما اذا كان الشك في ناحية الشبهة الموضوعية لا في المقام فان الشك فيه من ناحية الشبهة الحكمية ولا يجري