الاول : إن الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي بل بالامر الاضطراري أو الظاهري أيضا يجزي عن التعبد به ثانيا ، لاستقلال العقل بأنه لا مجال مع موافقة الامر بإتيان المأمور به على وجهه ، لاقتضاء التعبد به ثانيا (١).
نعم لا يبعد أن يقال : بأنه يكون للعبد تبديل الامتثال والتعبد به ثانيا ، بدلا عن التعبد به أولا ، لا منضما إليه ، كما أشرنا إليه في المسألة السابقة ، وذلك فيما علم أن مجرد امتثاله لا يكون علة تامة لحصول الغرض ، وإن كان وافيا به لو اكتفى به ، كما إذا أتى بماء أمر به مولاه ليشربه ، فلم يشربه بعد ، فإن الامر بحقيقته وملاكه لم يسقط بعد ، ولذا لو أهرق الماء واطلع عليه العبد ، وجب عليه إتيانه ثانيا ، كما إذا لم يأت به أولا ، ضرورة بقاء طلبه ما لم يحصل غرضه الداعي إليه ، وإلا لما أوجب
______________________________________________________
(١) يحكم العقل حكما جزميا بسقوط الامر المتعلق بالمامور به الواقعي ، وكذلك الامر الاضطراري المتعلق بالمامور به الاضطراري ، ومثلهما الامر الظاهري المتعلق بالمامور به الظاهري اذا اتى بالمامور به بجميع ما له دخالة في حصول الغرض به ، لانه لو لم يسقط مع تحقق الغرض الداعي له فبقاؤه يكون من بقاء المعلول بلا علة ، واما ان يكون بقاؤه لعدم تحقق الغرض وهو خلف ، لأن المفروض انه قد اتى بالمامور به المتحمل للغرض بجميع ما له دخالة في تحقق الغرض ، ولا ينبغي التعليل لبقاء الامر بلزوم تحصيل الحاصل ، لأن الكلام في امكان بقائه وعدمه ، لا في مقام انه لو بقى للزم ان يكون الطلب للغرض الحاصل من تحصيل الحاصل ، ولان تحصيل الحاصل المحال هو ايجاد الموجود لا ايجاد مثل الموجود.
وعلى كل فالعقل يحكم بلزوم سقوط الامر ، ولذا قال (قدسسره) : «لا مجال مع موافقة الامر باتيان المامور به على وجهه» : أي بجميع ما له دخالة في تحقق الغرض منه «لاقتضاء التعبد به ثانيا» لأن المفروض ان الداعي للطلب هو الغرض ، وقد فرض حصوله باتيان المامور به.