ثم إنه لا أظنك أن تتوهم وتقول : إن أدلة البراءة الشرعية مقتضية لعدم الاعتبار ، وإن كان قضية الاشتغال عقلا هو الاعتبار ، لوضوح أنه لا بد في عمومها من شيء قابل للرفع والوضع شرعا ، وليس هاهنا ، فإن دخل قصد القربة ونحوها في الغرض ليس بشرعي ، بل واقعي ودخل الجزء والشرط فيه وإن كان كذلك ، إلا أنهما قابلان للوضع والرفع شرعا ، فبدليل الرفع ولو كان أصلا يكشف أنه ليس هناك أمر فعلي بما يعتبر فيه المشكوك ، يجب الخروج عن عهدته عقلا ، بخلاف المقام ، فإنه علم بثبوت الامر الفعلي كما عرفت (١) ،
______________________________________________________
فوت على نفسه غرضه ، بخلاف القربة حيث انه مما يلتفت اليه اذهان العامة بدوا ، فاذا لم ينصب المولى نفسه لمقام بيانه لا يكون مفوتا لغرضه ، لامكان اعتماده على حكم العقل فيه الحاكم بالاشتغال ، وانه لا بد من اتيانه فلا يفوت في مقام ترتب غرضه شيء.
وبعبارة اخرى : في قصد القربة لا يجب على المولى بيانه لانه لا يفوت منه ، وفي مثل الوجه يجب على المولى بيانه ، وإلّا لفات منه ، ولا يعقل ان يكون المولى العالم والمحيط بجميع الاشياء مفوتا لغرضه.
وحيث انه لا اثر من ذكر قصد الوجه والتمييز في الروايات يقطع الشخص بعدم دخالتهما في ترتب الغرض ، والّا لكان لهما عين واثر في مجموع اخبار آل البيت عليهمالسلام ، ولا عبرة بالتفات بعض الناس وهم بعض العلماء المتبحرين الواسعي الاحتمالات ، فان التكليف موجه للعامة ، فلا بد وان يكون العامة مما يلتفتون الى احتمال الدخالة فيحصل لهم الشك.
(١) لما فرغ من الكلام على البراءة العقلية شرع في الكلام على البراءة الشرعية.
وتوضيح التوهم فيها : انه سيأتي في الاقل والاكثر الارتباطيين انه يفكّك بين البراءة العقلية والبراءة الشرعية ، فان المصنف يقول : بعدم جريان البراءة العقلية ،