ثالثتها : إنه إذا عرفت بما لا مزيد عليه ، عدم إمكان أخذ قصد الامتثال في المأمور به أصلا ، فلا مجال للاستدلال بإطلاقه ولو كان مسوقا في مقام البيان على عدم اعتباره ، كما هو أوضح من أن يخفى ، فلا يكاد يصح التمسك به إلا فيما يمكن اعتباره فيه (١).
______________________________________________________
حسن ، وهو العبادة الذاتية كتعظيم المولى ، اما فيما ليس له هذا العنوان ، كمثل جملة من اعمال الحج فلا يتاتى ذلك ، والتقرب فيها منحصر بقصد امتثال امرها ، واما اتيانه بداعي المصلحة فكونها من مصاديق القربة محل اشكال لما عرفت : ان الفعل العبادي لا بد من اضافته ونسبته الى المولى ، فاما ان يكون مضافا بذاته كتعظيم المولى وهو العبادة الذاتية ، أو لاتيانه بعنوان يضاف اليه كداعي امره ، واتيانه بداعي المصلحة ليس عبادة بذاته ولا مضافا اليه.
(١) حاصل هذا الثالث : هو ان التمسك بالاطلاق لنفي اخذ قصد القربة في متعلق الامر فيما اذا شك في دخالته في حصول الاتيان بالمامور به ، وامتثاله انما يمكن فيما اذا كان اخذ قصد القربة في متعلق الامر ممكنا ، اما اذا كان اخذه في متعلق الامر ممتنعا لما تقدم من المحاذير المذكورة فلا يعقل التمسك بالاطلاق لنفيه ، لأن تقابل الاطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة لا تقابل السلب والايجاب : بمعنى ان تقابلهما تقابل العمى والبصر ، لا تقابل البصر واللابصر ، وتقابل العدم والملكة مشروط بقابلية ما فيه التقابل لهما ، فان العمى يقابل البصر ، ويكون الموضوع مما لا يعقل ان يجتمعا فيه ، ولا ان يرتفعا عنه انما هو في الانسان القابل لأن يكون بصيرا ولان يكون اعمى فلا يعقل ان يكون بصيرا واعمى ولا يعقل ان لا يكون بصيرا ولا يكون اعمى ، بل لا بد اما ان يكون بصيرا ، واما ان يكون اعمى ، اما الحجر فلا تقابل للعمى والبصر فيه ، لجواز ان لا يكون بصيرا ولا يكون اعمى ، لأن العمى ليس هو محض عدم البصر ، بل هو عدم البصر مما من شأنه ان يكون بصيرا ، فلا يصح ان يقال للحجر اعمى.