إنما هو الحقيقي منها لا الانشائي الايقاعي ، الذي يكون بمجرد قصد حصوله بالصيغة ، كما عرفت ، ففي كلامه تعالى قد استعملت في معانيها الايقاعية الانشائية أيضا ، لا لاظهار ثبوتها حقيقة ، بل لامر آخر
______________________________________________________
مما يستحيل في حقه تعالى ، وانما المستحيل في حقه هو ارادة الفهم واقعا وطلب المعرفة حقيقة ، وارادة الفهم وطلبه حقيقة من دواعي هذا الانشاء الاستفهامي ، فالمحال في حقه تعالى هو الداعي لهذا الانشاء الاستفهامي الذي قد يعبر عنه بالاستفهام الحقيقي ، لا نفس انشاء الاستفهام.
ولا يخفى انه كما كان يمكن ان يكون السبب لانشاء الاستفهام هو طلب الفهم واقعا كذلك يمكن ان يكون الداعي له هو الانكار كقوله تعالى : (أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ)(١) او اظهار المحبة كقوله تعالى : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى)(٢).
فاتضح مما ذكرنا : انه لا وقع للاشكال اصلا ، لأن المحال في حقه هو داعي طلب الفهم واقعا لا نفس انشاء الاستفهام. ومنه اتضح ايضا انه لا وجه للالتزام بانسلاخها عن معانيها في كلامه تعالى ، بل هي مستعملة في معانيها ، غاية الامر انها ليست بداعي طلب الفهم واقعا ، ولا بداعي ترجي الحصول ، ولا بداعي تمني ما لا يحصل ، بل بدواع أخر دعت لانشاء هذه المعاني.
نعم ، اذا ثبت ان هذه الادوات كأدوات الاستفهام موضوعة لانشاء معناها بشرط ان يكون الداعي لانشاء الاستفهام ـ مثلا ـ هو طلب الفهم واقعا يكون استعمالها في انشاء الاستفهام بها لا بداعي طلب الفهم من الاستعمال المجازي لاختلال شرط الوضع ، واما اذا كان اثبات هذه الدواعي بواسطة الاصل وتطابق الارادة الاستعمالية والارادة الجدّية فلا يكون استعمالها في غير هذه الدواعي الحقيقية من الدواعي الأخر من الاستعمال المجازي اصلا.
__________________
(١) ابراهيم : الآية ١٠.
(٢) طه : الآية ١٧.