إيقاظ : لا يخفى أن ما ذكرناه في صيغة الامر ، جار في سائر الصيغ الانشائية ، فكما يكون الداعي إلى إنشاء التمني أو الترجي أو الاستفهام. بصيغها ، تارة هو ثبوت هذه الصفات حقيقة ، يكون الداعي غيرها أخرى ، فلا وجه للالتزام بانسلاخ صيغها عنها ، واستعمالها في غيرها ، إذا وقعت في كلامه تعالى ، لاستحالة مثل هذه المعاني في حقه تبارك وتعالى (١) ، مما لازمه العجز أو الجهل ، وأنه لا وجه له ، فإن المستحيل
______________________________________________________
استعمال الصيغة في غير داعي الجد من الاستعمال المجازي ، لأن الاصل المثبت للارادة الجدّية لا يثبت كونها من شرائط الوضع كما هو واضح.
(١) حاصل هذا الايقاظ ان القوم قالوا : ان ادوات الاستفهام والترجي والتمني موضوعات للاستفهام الحقيقي وهو ارادة الفهم واقعا ، وللترجي الحقيقي وهو ارادة ما يرجى حصوله ، وللتمني الحقيقي وهو ارادة ما لا يرجى حصوله ، فاشكل عليهم الامر في استعمال هذه الادوات في القرآن في غير موارد الحكاية عن غيره تبارك وتعالى ، فان موارد الحكاية عن غيره تبارك وتعالى لا اشكال فيه.
وحاصل الاشكال ان الاستفهام الحقيقي يلزمه عدم علمه تبارك وتعالى والجهل في حقه محال ، وكذلك الترجي الحقيقي فان الذي يرجو ما يحتمل تحققه لازمه عدم علمه ايضا بحصوله وعدم حصوله وهو محال في حقه جل وعلا ، واما التمني الحقيقي فلازمه عجزه عما يتمنى تحققه وهو محال ايضا ـ فالتزموا بانسلاخها عن معانيها واستعمالها في غيرها ، فذكر هذا الايقاظ للتنبيه على تخطئتهم وبيان سبب الاشتباه عندهم.
وحاصله : ان هذه الادوات موضوعة للمعاني الانشائية لا غير فادوات الاستفهام موضوعة لانشاء الاستفهام بها ، واما طلب الفهم واقعا فهو داع لانشاء الاستفهام ، وما كان داعيا لا يعقل ان يكون داخلا فيما هو المستعمل فيه ، فصيغة الاستفهام المستعملة في الذكر الكريم قد استعملت في انشاء الاستفهام ، وانشاء الاستفهام ليس