فانقطع سؤال : إنه لم جعل السعيد سعيدا والشقي شقيا؟ فإن السعيد سعيد بنفسه والشقي شقي كذلك ، وإنما أوجدهما الله تعالى ، قلم اينجا رسيد سر بشكست ... قد انتهى الكلام في المقام إلى ما ربما لا يسعه كثير من الافهام ، ومن الله الرشد والهداية وبه الاعتصام (١).
______________________________________________________
(١) لا يخفى ان نفس القدرة والاختيار هو من الله تبارك وتعالى فانه فاعل الوجود ، وهذا الاختيار وهو القدرة على ان يشاء فيفعل وان لا يشاء فلا يفعل موجود قبل صدور الفعل في الخارج بالقوة ، وعند صدور الفعل في الخارج لا بد وان يكون علته وهي القدرة والاختيار تخرج من حد القوة الى الفعل ، فان العلة ما لم تكن بالفعل لا يكون الفعل الذي هو معلول القدرة والاختيار بالفعل ، وخروج هذه القدرة من حد القوة الى الفعل يكون العلة فيها ـ ولو بنحو العلة الاعدادية ـ هو الملاءمة للنفس ، فان كان الشخص من اهل التقوى يكون من ملائماته فعل الخير والاطاعة ، وان كان من ذوي الشقاء تكون ملائماته الشر والكفر والعصيان ، ففي مقام فعلية القدرة والاختيار لترجيح احد طرفي الفعل من الوجود والعدم تتدخل الشقاوة والسعادة ، فان ملائم السعيد الخير وملائم الشقي الشر ، وقد عرفت انه لا يضر ان يتقدم على الاختيار امور غير اختيارية فلا تضر في صدور الفعل الاختياري بالاختيار. هذا هو مراده من قوله : «قلت العقاب انما يتبع الكفر والعصيان» لصدورهما عن المكلف بالاختيار فانهما من «التابعين للاختيار» لأن العلة في صدورهما هو الاختيار ، فهما تابعان له وموصوفان بانهما من الافعال الاختيارية الصادرة بالاختيار ، وان كان نفس الاختيار بالفعل لجهة الشر من الكفر والعصيان ينشأ عن مقدمات تقتضي ترجيح الشر وهي كونه ملائما له ، والسبب في هذه الملاءمة ـ ولو بنحو الاعداد ايضا ـ هو نفس شقاوته التي هي من ذاتيات الشخص وملازمات ذاته اللازمة لخصوص ذاته ، وكذلك السعيد فانه يفعل الفعل بالاختيار لملاءمة الخير لذاته التي سببها هو سعادة ذاته.