واما الوجه الثاني : وهو تقديم قاعدة لا ضرر لاقلية موردها ، فيرده : انه ليس مورد الضرر اقل ، إذ المراد بالحرج المشقة التي لا تتحمل عادة وبديهي ان الوقوع في الضرر لا يستلزم ذلك مطلقا.
أضف إليه ان أقلية المورد إنما توجب التقديم لو كانا متضادين ، بحيث يلزم من تقديم الأكثر موردا ، عدم بقاء المورد للأقل ، لا في مثل المقام مما لو قدمنا قاعدة نفي الحرج ، لا يلزم طرح قاعدة لا ضرر ، بل يبقى لها مورد وهو مورد توافقهما.
واما الوجه الرابع : وهو المعاملة معهما معاملة المتزاحمين الذي اختاره المحقق الخراساني (١) ، فيرد عليه : ان التزاحم إنما هو بين الحكمين ، والقاعدتان نافيتان للأحكام ولا يثبت بشيء منهما حكم أصلاً فلا معنى للتزاحم ، وان أريد به التزاحم بين المقتضيين ، فيرده ان باب تزاحم المقتضيين غير مربوط بباب تزاحم الأحكام.
وعلى هذا فان تم ما يخطر بالبال عاجلا من انه من جهة ان القاعدتين لهما الحكومة على الأحكام المجعولة ، ولا حكومة لهما على عدم الحكم ، انه في موارد الدوران بينهما كما في المثال ، لا يخلو الأمر من ان التصرف المذكور ، اما ان يكون مباحا غير محرم مع قطع النظر عن القاعدتين ، وهو ما إذا لم يكن تصرفا في مال الجار ولامتلفا لماله ، كما إذا حفر بئرا في داره قريبا من بئر الجار وصار ذلك سببا لنقص ماء بئر الجار ، أو يكون محرما غير مباح كما لو استلزم تصرفا
__________________
(١) كفاية الأصول ص ٣٨٣.