وابن داود لم يتصوّر ما قاله الشافعي ، وذاك أنه لم يرد إلا ما أراد غيره من حقيقة المعنى ، وإنما تحرّى اشتقاق اللفظ ، ولم يرد بالعيال الأولاد ، وإنّما أراد النساء ، فقد يسمّى كل من تمونه العيال ، وإن لم يكن أولادا ، وأراد تعالى إن خفتم أن يكثر نساؤكم ، فتحتاجوا إلى تفقدهن بأمور تقصرون عنها ، ولا يكون في مراعاتها إقساط ، وهذا راجع إلى ما ذهب إليه الآخرون (١).
قول تعالى : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً)(٢) الآية. فالنحلة : العطية التي لا يطلب بها عوض ، وأصله عندي من النحل ، فكأنّ نحلته : أعطيته عطية النحل ، وذلك ما قصده الحكماء من وصف النحل في أنه لا يضر بشيء ، وينفع أعظم نفع ، وكأنّه إلى ذلك أشار بقوله : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ)(٣) الآية ، والنّحلة
__________________
(١) انظر قول الشافعي ومن صححه أو اعترض عليه في : أحكام القرآن للجصاص (٢ / ٥٧) ، والنكت والعيون (١ / ٤٥٠) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٣٩٦ ، ٣٩٧) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٦٢) ، والمحرر الوجيز (٤ / ١٧ ، ١٨) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٢١ ، ٢٢) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٤٨) ، والبحر المحيط (٣ / ١٧٣) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٢٧).
(٢) سورة النساء ، الآية : ٤. ونصها : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً).
(٣) سورة النحل ، الآية : ٦٨.