أن يكونوا على الأقل ، مثل قوم يونس ، آمنوا قبل أن يصلوا إلى درجة اليأس ، مع احتمال حدوث العذاب كما وقع في قوم نوح وعاد وثمود وفرعون وجنوده. وهذا كله بقضاء الله ومشيئته فيهم.
والأمر الثالث في الآيات : منع الإكراه على الإيمان. فلو شاء ربّك يا محمد أن يأذن لأهل الأرض كلهم في الإيمان برسالتك ، والاستجابة لدعوتك ، لفعل ، ولو شاء الله تعالى لكان الجميع مؤمنين ، كما جاء في آية أخرى : (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) [الرّعد : ١٣ / ٣١]. وكلمة (كُلُّهُمْ) تفيد الإحاطة والشمول. وكلمة (جَمِيعاً) تفيد حدوث الإيمان في وقت واحد ، دون تباطؤ ولا تعاقب.
وإذا كان هذا بمقدور الله تعالى ، أفأنت يا محمد تكره الناس بالقتال وتلزمهم أو تلجئهم إلى الإيمان ، حتى يكونوا مؤمنين موحّدين. فالإيمان لا يتم ولا يطلب إلا بالاختيار والطواعية ، ولا يحدث بالإكراه والقسر والإرهاب الملجئ ، وما أكثر الآيات المانعة من الإكراه على الدين والإيمان ، في قوله تعالى : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) [البقرة : ٢ / ٢٥٦].
والأمر الرابع والأخير في الآيات ردّ الأمر في الإيمان لإرادة الله ومشيئته. فليس لنفس أن تؤمن إلا بمراد الله وتوفيقه ، أو بقضائه وقدره ، والنفس مختارة في الدخول في الإيمان اختيارا غير مطلق ، حتى لا يتنافى ذلك مع سلطان الله في كونه ، فلا يتم شيء قهرا عنه ، ويكون الإيمان مقيدا بسنّة الله في الخلق. ويجعل الله الرّجس أي العذاب على الذين لا يتدبرون حجج الله وبيّناته وبراهينه ، ويسيئون في تفكيرهم ، ولا يستعملون عقولهم في النظر بما يرشدهم إلى الحق من آيات الله في الكون والحياة ، ويتأمّلون في آيات القرآن. فإذا عطّلوا منافذ المعرفة والحواس الهادية إلى