ـ أو يأخذهم في تقلّبهم في الليل والنهار وفي أسفارهم ومتاجرهم واشتغالهم بالمعايش والمكاسب والملهيات ، فلا يعجزون الله على أي حال كانوا عليه.
ـ أو يأخذهم على جهة التخوف : وهو التنقص في الأموال والأنفس والثمرات ، فإن الله تعالى لم يعجل بعذابهم ، ولم يعاجلهم بالعقوبة ؛ لأنه رؤف رحيم بعباده ، فترك لهم فرصة يتمكنون من تلافي التقصير ، واستدراك الأخطاء ، والعدول عن الضلال. جاء في الحديث الصحيح : «لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله ، إنهم يجعلون له ولدا ، وهو يرزقهم ويعافيهم».
وهذه الإنذارات تتطلب التذكير بقدرة الله الشاملة والخارقة ، لذا جاء التذكير بإبداع المخلوقات السماوية والأرضية ، وهي ألم ينظر هؤلاء الذين مكروا السيئات إلى ما خلق الله من شيء له ظل ، من جبل وشجر وبناء وجسم قائم ، تتميل ظلاله (١) من جانب إلى جانب ، ذات اليمين وهو المشرق ، وذات الشمال وهو المغرب ، بكرة وعشيا ، أي في الغداة أول النهار ، وفي المساء آخر النهار ، وتلك الظلال ساجدة لأمر الله وحده ، والسجود : الانقياد والاستسلام ، وهم صاغرون خاضعون منقادون لله ، لأن الظلال تتحول من جهة المشرق إلى جهة المغرب ، وهذا الانتقال دليل على القدرة الإلهية ، وبعبارة أخرى : أو لم ينظروا إلى ما خلق الله من الأجرام التي لها ظلال ، متفيئة عن أيمانها وشمائلها ، أي عن جانبي كل واحد منها وشقّيه ، ترجع الظلال من جانب إلى جانب ، منقادة لله ، غير ممتنعة عليه ، فيما سخرها له من التفيؤ ، كما أن الأجرام المادية في أنفسها صاغرة منقادة لأفعال الله ، لا تمتنع.
وهذا في الجمادات ، ثم ذكر الله سجود الأحياء ، فلله يسجد كل ما في السموات
__________________
(١) يتفيأ ظلاله في قراءة الجمهور ، وقرأ أبو عمرو وحده : ((تتفيأ)). قال أبو علي الفارسي : إذا تقدم الفعل المسند إلى مثل هذا الجمع ، فالتذكير والتأنيث فيه حسنان.