تهديد المشركين بالعقاب
لقد كان مشركو مكة في أشد حالات العناد ومقاومة دعوة الرسول ، والتحدي لأمره ، دون مبالاة بعذاب إلهي ، أو عقاب خطير ، وكأنهم لم يتعظوا بأحداث الأقوام الغابرة الذين أنزل الله بهم ألوانا من عذاب الاستئصال ، للعبرة والعظة ، وحاولوا تعطيل إرادتهم ودورهم في اختيار الإيمان ، ونسبوا الشرك لإرادة الله ، وهو مجرد وهم وافتراء ، ونسبة للأمور لغير مصدرها الصحيح ، وهذه آيات كريمة تصور مواقف المشركين وتماديهم في الباطل :
(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٣٣) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٤) وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٣٥)) (١) [النّحل : ١٦ / ٣٣ ـ ٣٥].
هدد الله تعالى بهذه الآيات المشركين على تماديهم في الباطل واغترارهم بالدنيا ، ومضمون التهديد : ما ينتظر كفار مكة وأمثالهم في التصديق بنبوة النبي محمد صلىاللهعليهوسلم إلا أن تأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم ظالمي أنفسهم ، أو أن يأتيهم أمر ربك بعذاب الاستئصال في الدنيا ، كإرسال الصواعق أو الزلازل ، أو قيام الساعة ، وما يتعرضون له من الأهوال. وهذا وعيد شديد ، يقصد به حثهم على الإيمان بالله ورسوله قبل نزول العذاب. وهذا الموقف المعاند له شبيه بفعل أسلافهم من الأمم ، الذين عوقبوا بحق ، وليس ظلما بوضع العقاب في غير موضعه ، ولكنهم هم الذين
__________________
(١) أحاط.