جزء من سبعين جزءا من السموم التي خلق منها الجانّ. وقالت عائشة فيما روى مسلم وأحمد : «خلقت الملائكة من نور ، وخلقت الجانّ من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم». وهذا مأخوذ من قوله تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥)) [الرّحمن : ٥٥ / ١٤ ـ ١٥].
وهذا إشارة إلى برودة طبع الإنسان ، وحرارة طبيعة الجنّ. والمراد بهذه الخلقة : إبليس أبو الجنّ. سئل وهب بن منبّه عن الجنّ ، فقال : هم أجناس ، فأما خالص الجنّ فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يموتون ولا يتوالدون ، ومنهم أجناس تفعل هذا كله ، منها السعالي والغول وأشباه ذلك.
ثم أراد الله تعالى تشريف آدم أبي البشر عليهالسلام وإكرامه ، فأمر الملائكة بالسّجود له : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٢٩)) ومعنى الآيات : اذكر أيها الرسول لقومك حين أمرت الملائكة الموجودين قبل خلق آدم بالسجود له ، بعد اكتمال خلقه وإتقانه وتسوية أجزائه على ما يجب ، من طريق إحيائه بنفخ الروح من الروح التي هي لي ، فقوله : (مِنْ رُوحِي) إضافة خلق وملك إلى خالق مالك ، أي بدأت خلقه من روحي ، ولفظ الروح هنا للجنس ، ولفظة (فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) تقوّي أن سجود الملائكة إنما كان كالمعهود من السجود عندنا ، لا أنه خضوع وتسليم وعبادة.
وامتثل الملائكة أمر الله ، فسجدوا كلهم جميعا ، أي مجتمعين دفعة واحدة ، لم يبق منهم أحد ، وجميعهم سجد في موضع واحد ، إلا إبليس فإنه تخلّف عن السجود لآدم ، حسدا وكفرا ، وعنادا واستكبارا ، وافتخارا بالباطل ؛ لأنه في زعمه خلق من نار تتصف بالسّمو والارتفاع ، وآدم خلق من تراب موصوف بالركود والخمود والانخفاض. وأدى به الغرور إلى عصيان الأمر الإلهي بأنه خير من آدم ، فإنه خلق من