وأبان موسى عليهالسلام لقومه منهاج الإله الحق في إمداد البشر بالنّعم ، وإرهابهم بالنّقم ، وإنذارهم بالعذاب ، فلقد أعلم الله علما مقترنا بإنفاذ وقضاء قد سبقه : أنكم يا بني إسرائيل أي وغيركم ، لئن شكرتم نعمة الله عليكم ليزيدن لكم النّعم ، ويديمها عليكم ، ولئن جحدتم النّعم وسترتموها ، فلم تؤدّوا حقّها من الشكر ، ومقابلتها بالوفاء والطاعة ، فإن عقاب الله أليم ، شديد التأثير والألم ، في الدنيا بزوال النّعم وسلبها عنكم ، وفي الآخرة بالعقاب على كفران النعم. جاء في الحديث الثابت الذي رواه الحاكم عن ثوبان : «إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه».
ثم هدّد موسى قومه ووبّخهم بقوله : إن تجحدوا نعمة الله عليكم أنتم وجميع من في الأرض من الثّقلين : الإنس والجنّ ، فإن الله غني عن شكر عباده ، وهو المحمود بكل حال ، حتى وإن كفر به من كفر ، كما قال الله تعالى : (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ) [الزّمر : ٣٩ / ٧].
وإيراد هاتين الصّفتين لله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) اللتين وصف بهما نفسه تبارك وتعالى في آخر الآية : يتضمن بيان عظمة الله تعالى ، وتحقير المخاطبين العصاة وتوبيخهم على المخالفة وجحود النّعمة ، فالله متّصف بصفة توجب المحامد كلها دائما ، كذلك في ذاته ، لم يزل ولا يزال ، وكفر بعض الناس بإله هذا حاله : غاية التّخلف والخذلان ، وإغراق في الضّلال والبعد عن الحق.
بعض ألوان التّذكير بأيام الله
أغلب الناس لا يكتفون بالأمور النظرية ، والتهديدات الشفهية ، وإنما يحتاجون إلى الأدلة الحسّية والأمثال الواقعية ، والتجارب الفعلية ، لذا لم يكتف القرآن الكريم والرّسل المصلحون بتوجيه الإنذارات ، وإنما من أجل التصديق بواقعيتها يقينا