جماعة عشرة من الرجال الأشداء الأقوياء ، فكيف يعجزون عن مقاومة الذئاب والوحوش الضارية؟!
تضمن اعتذار يعقوب عليهالسلام أمرين : أن فراقه يوسف مما يحزنه ، وخوفه عليه من الذئب إذا غفلوا عنه أثناء لهوهم. وكأنه لقّنهم الحجة والجواب ، فلا يليق بهم التفريط بأخيهم ، ولو حدث ذلك لكانوا خاسرين أي هالكين عاجزين ، لا خير فيهم ولا نفع.
ولكنهم غفلوا عن إحاطة علم الله بأحوالهم ، وحدثت المفاجأة أنهم لما صمموا على إلقاء يوسف في الجبّ ، أي البئر المعروف لديهم ، أوحى الله ليعقوب أنه ليخبرنهم بما فعلوا ، وهم لا يشعرون بما أوحى الله لنبيّه ، لهول الموقف ، وقصر نظرهم ، وقلّة وعيهم ومعرفتهم.
وينتهي المشهد المخزي والمفضوح ، ويعود الإخوة الجناة في آخر اليوم إلى أبيهم ، منتحلين الأعذار الكاذبة والواهية معا ، فتباكوا في العشاء بالدموع الكاذبة ، وكذبوا على أبيهم يعقوب أنهم أثناء لعبهم وتسابقهم وتركهم يوسف حارسا عند أمتعتهم ، ودلّت أقوالهم بنحو سافر على كذبهم وسخفهم ، وزعموا أن الذئب المفترس أكل أخاهم ، وأحسّوا ضمنا بالكذب حين قالوا لوالدهم : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ) ـ أي مصدق ـ (لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) قال المبرد : كأنهم أخبروا عن أنفسهم أنهم صادقون في هذه النازلة ، فهو تماد منهم في الكذب.
وزادوا في التدليس والتمويه أنهم كما روي : أخذوا سخلة (ولد ضأن) أو جديا ، فذبحوه ولطّخوا به قميص يوسف ، وقالوا ليعقوب : هذا قميصه ، فأخذه ولطّخ به وجهه وبكى. ثم تأمّله ، فلم ير خرقا ولا أثر ناب ، فاستدلّ بذلك على كذبهم ، وقال لهم : متى كان الذئب حليما ، يأكل يوسف ، ولا يخرق قميصه؟ وهذا دليل على أن