من أشرفهم نسبا ، فقال : يا قوم ، اعبدوا الله وحده لا شريك له ، وإياكم نقص الناس حقوقهم في المكيال والميزان ، فلا حاجة لكم للظلم ، وأراكم بخير ، وهذا عام في جميع نعم الله تعالى ، أي أراكم بثروة وسعة في الرزق ورفاه في المعيشة ، تغنيكم عن الطمع والدناءة في بخس الناس حقوقهم ، وإني أخاف أن تسلبوا ما أنتم فيه بانتهاككم محارم الله تعالى ، وأخشى عليكم عذاب يوم يحيط بكم جميعا ، فلا يترك أحدا منكم ، وهو إما عذاب الاستئصال في الدنيا ، وإما عذاب الآخرة في نار جهنم.
ويا قوم ، وفّوا الكيل والوزن بالعدل ، أخذا وعطاء ، والأمر بالإيفاء زيادة على النهي عن البخس (أي إنقاص الحقوق) للتأكيد والتنبيه على أنه لا يكفي الامتناع عن تعمد التطفيف ، بل يلزمهم الإكمال والإيفاء ولو بزيادة قليلة.
ثم نهاهم شعيب عليهالسلام عن النقصان في كل شيء ، بإلحاق الظلم والجور في حقوق الناس ، كما نهاهم عن السعي في الفساد في أمر الدنيا والدين ، مثل قطع الطريق ، وقوله بعد النهي عن الإفساد (مُفْسِدِينَ) تكرار على جهة التأكيد ، أو قصد الإفساد.
وعلل شعيب دعوته إلى إيفاء الحقوق بأن بقية الله خير لهم ، أي ما يبقى لهم من الربح الحلال بعد إيفاء الكيل والميزان خير لهم من الحرام ، وأكثر بركة ، وأرجى عاقبة مما يأخذونه بطريق الحرام ، بشرط أن يكونوا مؤمنين ، لأن تحقيق الخيرية وثمرتها إنما يكون في حال الإيمان ، لا في حال الكفر ، والإيمان حافز باعث على الطاعة. ثم قال لهم : (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) أي لست عليكم برقيب على أعمالكم ، ولا مستطيع منعكم من القبائح ، فالأمر ينبغي أن يصدر عن قناعة ذاتية منكم ، ولست أنا إلا ناصحا أمينا ، فافعلوا ما فيه الخير لذاته ، لا ليراكم الناس.
فردّ أهل مدين على شعيب عليهالسلام عما أمرهم به ، أما الرّد على عبادة الله