بقصد إرهابهم ، فيصبح اتّساق الآية مطّردا غير معترض. فأجابهم الله تعالى بأن النّبي إن افترى هذا الادّعاء بنزول العذاب ، فعليه تبعة قوله وهو مسئول عن ذنبه وجرمه ، وهو بريء من جرائم قومه وآثامهم ، وسيجزيهم الله على أعمالهم ، والنبي أعلم بما عند الله من عقوبة المكذبين ، وكل إنسان مسئول عن ذنبه ، كما جاء في آية أخرى : (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١)) [يونس : ١٠ / ٤١].
والراجح أن آية (أَمْ يَقُولُونَ) هو من محاورة نوح لقومه ، كما قال ابن عباس ، لأنه ليس قبل هذا الكلام ولا بعده إلا ذكر نوح وقومه ، والخطاب منهم ولهم ، وهم يقولون : افترى ما أخبركم به من دين الله ، وعقاب من أعرض عنه.
والحقيقة أن حكاية هذه الأوضاع ستظل في سجلّ التاريخ صورة للمعارضين دعوة الأنبياء ، وستكون عاقبة المعارضة أو الاتّهام بالباطل لنبي هي التعرض للعذاب.
ـ ٣ ـ
يأس نوح من قومه وصنعه السفينة
تجاوز قوم نوح الحدود المعقولة ، وتغالوا في الإعراض عن نوح عليهالسلام ، ورفضوا دعوته رفضا عنيدا ، واستبدادا وتكبّرا ، فيئس نوح من هدايتهم وإجابتهم لدعوته ، فمهّد ذلك لإغراقهم وإهلاكهم ، بسبب سخريتهم وتهكمهم ، وبدأ الإعداد بصنع السفينة لنجاة نوح ومن آمن معه. وهذا ما وصفه القرآن الكريم في الآيات التالية :
(وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا (١)
__________________
(١) فلا تحزن.