(إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ) [سورة ص ، الآية : ٧١] ، وقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ) [سورة الأنعام ، الآية : ٢].
وأما العلّة الصورية قال تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) ، وقال تبارك وتعالى : (هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ) [سورة الحشر ، الآية : ٢٤].
وأما الغائية فقد قال الله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) [سورة البقرة ، الآية : ٢٩].
فجميع الموجودات يحبّ الإنسان محبّة تكوينية ، فالكلّ مسخّر له ، قال تعالى : (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً) [سورة لقمان ، الآية : ٢٠] ، كما ان الإنسان بطبعه يحبّ جميع الموجودات لفرض تفانيها فيه ، فتكون المحبّة والعشق من الطرفين (أي تعاشقا) ، فالموجودات كالشجرة بالنسبة للإنسان وهو كالثمرة ، فخلقت الدنيا له ولأجله.
فلا بد للإنسان من بذل الجهد لكشف أسرار الموجودات ورموزها واستخراج الحقائق منها ، وذلك لا يكون إلا بالارتباط التامّ مع الربّ المطلق والقيوم بالحقّ ، قال الله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) [سورة الأعراف ، الآية : ٩٦] ، فهو أشدّ أنحاء العلم وأمتنه وأقواه ، كما أثبته الفلاسفة ـ من قديمهم وحديثهم ـ وجميع أهل العرفان.
ولكن الإنسان قصّر في ذلك ، فأوقع نفسه في ظلمات بعضها فوق بعض ، لا يمكنه التخلّص عن بعضها فكيف عن جميعها ، قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [سورة الحديد ، الآية : ٢٨] ، وليس المراد بهذا المشي في طريق خاص أو علم مخصوص ، بل المشي في جميع أبواب العلوم والمعارف ، مشيا مطابقا للواقع يصل إلى النتيجة الحقّة ، قال تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) [سورة الحشر ، الآية : ١٩].