أن يغويه ويضلّه عن الطريق ، فلا بد من الالتجاء إلى الله تعالى في جميع الحالات ، لا سيما من مثل امرأة عمران التي نذرت ابنتها لله عزوجل ، وطمعت أن تكون عابدة مطيعة ، وأن تكون لها ذرّية طيبة ، وقدر أن يكون لها شأن كبير في المستقبل.
الحادي عشر : يدلّ قوله تعالى : (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً) ، على الجزاء العظيم الذي وعده الله تعالى لهذه المرأة المؤمنة المطيعة ، جزاء إخلاصها في نذرها ، فهو عزوجل قد رضي بالأنثى وتلقّاها بوجه حسن ، فهو الربّ الكريم الذي تعهّد تربيتها تربية حسنة في جميع شؤونها وحالاتها ، فصارت امرأة عابدة لخالقها مطيعة لربّها ، طهّرها عن الرذائل واصطفاها على نساء العالمين ، وجميع ذلك كان استجابة لدعاء أمها وتحقّقت جميع امنياتها ، وممّا جعله الله تعالى وسيلة لتربيتها الحسنة أن دخلت مريم في كفالة زكريا النبيّ الكريم.
ويستفاد من ذلك أنه لا بد للإنسان من الدخول في كفالة من يقوم بتربيته تربية صالحة ، ولا يتأتى ذلك لكلّ فرد ولا يقدر أن يقوم كلّ أحد لوحده في تربية نفسه ، وكأن هذه الآية الشريفة تبيّن سبب اصطفاء الله تعالى مريم ، وهو الإنبات الحسن ورضاه تعالى بها.
الثاني عشر : يدلّ قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) ، على أن العلّة في ارتزاق مريم عليهاالسلام هي أن جميع الأرزاق ـ سواء كانت ماديّة أم معنويّة ـ بيد الله تعالى ، وأنه يعلم بخصوصيات الرزق والمرزوق وكيفيّته وجهاته. ولذلك يمكن تطبيق هذه الآية في كلّ مورد علم من الأدلّة الصحيحة القويمة أنه داخل تحت الآية الشريفة ، كما ورد بالنسبة إلى فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، فإنها أيضا ممّن تقبّلها ربّها بقبول حسن ، وقد أبان فضلها على سائر النساء وطهّرها من جميع الرذائل الخلقيّة والخلقيّة ، وتدلّ الأدلّة النقليّة والعقليّة على ذلك ، فلئن كانت مريم العذراء مصطفاة على نساء العالمين في وقتها ، ولكن الصدّيقة الطاهرة مصطفاة على جميع نساء العالمين ، ولئن رزقت مريم عليهاالسلام من الرزق المخزون عند الله تعالى لوحدها إلا أن فاطمة الزهراء عليهاالسلام قد رزقت هي وأولادها وآثرت رسول الله صلىاللهعليهوآله على نفسها ،