الإلهيّة. وخلاصة ما قالوه فيها : إنها قافلة تسير من الله تعالى إلى الله مع الله ، وقال جلّت عظمته في شأنهم : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ) [سورة النور ، الآية : ٣٧] ، وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا) [سورة فصلت ، الآية : ٣٠] ، ورائد هذه القافلة ورئيسها محمد حبيب الله ، وإبراهيم خليل الرحمن ، ويد الله فوق رؤوسهم ترفرف بأنحاء اللطف والرحمة ، وتجذبهم روحانيّة خليل الرحمن إلى خليله ، ومعنويّة حبيب الله إلى حبيبه ، وان سعيهم الوصول إلى أقصى الكمال ، وهذا أكمل سير في الممكنات.
الرابع : أن التحذّر عن الله جلّ جلاله له مصاديق كثيرة ، من أعظمها الإيذاء والاستخفاف بعباد الله تعالى الّذين مدحهم في آيات كثيرة وذكر صفاتهم ، فقال عزّ شأنه : (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً* وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً* وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً) [سورة الفرقان ، الآية : ٦٣ ـ ٦٥] ، وذكر علي عليهالسلام صفاتهم في جملة من كلامه فقال : «نطقوا فكان نطقهم صوابا ، وسكتوا فكان سكوتهم حكمة ونظرهم عبرة ، صحبوا الدنيا بأبدان ، أرواحهم معلّقة بالملإ الأعلى ، أنفسهم منهم في تعب والناس منهم في راحة ، شعارهم الخضوع ومأكلهم وملبسهم القنوع» ، وقد ورد في السنّة المقدّسة في مدحهم ما لا يحصى ، حتّى أنه ورد فيها أن الله جلّت عظمته قال : «من آذى وليي فقد بارزني بالمحاربة» ، وقوله عليهالسلام : «ولو لاهم لساخت الأرض بأهلها» ، إلى غير ذلك ممّا ورد في مدحهم وثنائهم ، ولا بد أن يكون كذلك ، لأنهم أعظم مظهر لمكارم أخلاق الله تعالى ، وأن قلوبهم المقدّسة لا تزال مستشرقة بشوارق من عالم الغيب ، فتزيل عنها كلّ شكّ ودنس ، فهم الأنوار التي تخرج بهم الناس من الظلمات إلى النور ، وهم الصراط المستقيم.