مورد إرادته الكاملة وفق النظام الأحسن الأكمل ، وإلا يكون من تخلّف المراد عن الإرادة ، وهو محال.
وثالثا : أن الإرادة إن كانت علّة تامّة لحصول المراد ، فإنما هو بالنسبة إلى حصول المراد بالأصل لا المراد بالعرض. والمراد بالأصل فيه عزوجل يرجع إلى ابتهاج ذاته بذاته في ذاته ، بلا محذور في البين ، كما قالوا ذلك في علمه الأزلي بما سواه ، وسمعه ، وبصره. وفي الحديث : «عالم إذ لا معلوم ، وسامع إذ لا مسموع ، وبصير إذ لا مبصر».
وبعبارة اخرى : تكون الإرادة التكوينيّة من هذه الجهة ، كالإرادة التشريعيّة ، فإذا أراد الله تعالى الصلاة ـ مثلا ـ من عباده ، أرادها وفق نظام خاص ، بحيث يكون أوّلها تكبيرة وآخرها تسليمة ، مع تخلل القيام والركوع والسجود والأذكار في البين ، فإرادته انبساطية على جميع ذلك ، كما أن إرادته الأزلية التكوينيّة تكون كذلك.
قد يقال : إن ما ذكر ينافي قوله تعالى : (إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [سورة آل عمران ، الآية : ٤٧].
ويمكن الجواب عنه : بأن مرتبة الأمر التكويني غير مرتبة الإرادة ، كما هو ظاهر الآية الكريمة. هذا كلّه بحسب القواعد العقلية.
وأما بحسب ظواهر النصوص التي تدلّ على جعل الإرادة والمشيئة من صفات الفعل لا الذات ، فلا بد من اتباعها ، ولا محيص عمّا ورد فيها. هذا إجمال ما يتعلّق بموضوع القضاء والقدر ، اللذين هما من أسباب الفعل في كلّ فاعل مختار.
وأما أسرار القضاء والقدر في فعل الله جلّ جلاله ، فقد حيّرت الملائكة المقرّبين والأنبياء المرسلين. وفي الحديث عن علي عليهالسلام : «بحر عميق فلا تلجه ، وطريق مظلم فلا تسلكه ، وانه سرّ الله فلا تتكلّفه» ، وسيأتي في الموضع المناسب تتمة الكلام إن شاء الله تعالى.
وتعليق التصوير على المشيئة الإلهية إنما هو لأجل تعميم التصوير ليشمل