خالفهم ، فأوقعوا الفتنة ، فكفروا بآيات الله وأنكروا رسالة الرسل.
ويحدّثنا التأريخ ما وقع من الاختلاف الكبير في اليهود والنصارى بعد ما علموا الحقّ وآمنوا به ، ممّا حمل الكثير من اليهود على إنكار التوحيد وتقبّلهم الشرك والوثنيّة ، وحرّفوا التوراة ، كما ذهب النصارى إلى التثليث وتأليه المسيح وإنكار الشريعة.
وفي الآية الشريفة توبيخ شديد لأهل الكتاب وتهديد لهم بما وقع بينهم من البغي الموجب للانتقام ، كما أن الآية المباركة تخبر عن بعض الحقائق التأريخيّة التي وقعت بين أهل الكتاب ، وقد وردت جملة منها في آيات اخرى من القرآن الكريم ، كعبادة العجل ، وقتل الأنبياء ، وتأليه المسيح أو جعله ابنا له تعالى ، وغير ذلك.
قوله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ).
المراد من آيات الله الدلائل الواضحة الجليّة ، سواء كانت في الكتاب التشريعي النازل على الأنبياء والرسل أم المعجزات الباهرات الدالّة على توحيد الله تعالى وصدق نبوّات الأنبياء والأحكام الإلهيّة التي نزلت لتهذيب الإنسان واستكماله ، فإن كفرها وجحودها يستلزم إنكار أصل الدين ، ومن جحد تلك الآيات البيّنات الدالّة على توحيد الله ووحدة الدين وأحكامه التكليفيّة الشرعيّة ، فإن الله محاسبهم ومعاقبهم ، والله سريع الحساب في الدنيا باستيلاء الأعداء عليهم وتفريق كلمتهم ، أو في الآخرة بأشدّ العذاب.
قوله تعالى : (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ).
الضمير في حاجّوك راجع إلى ما تقدّم ذكره ، وهم الذين أوتوا الكتاب. ومحاجّتهم مع رسول الله صلىاللهعليهوآله أنهم كانوا يدّعون أن الاختلاف معه لم يكن جدلا وبغيا ، بل كان عن استدلال واجتهاد وطلبا للواقع ، وما يدّعيه الرسول صلىاللهعليهوآله أيضا من الاجتهاد ، فلا ملزم لقبوله ، وقد كان الجواب عنهم بما يقطع المخاصمة والمجادلة بالتسليم لله تعالى من دون الإعراض عنهم.
وتدلّ الآية الشريفة على أن الاستدلالات مطلقا عقيمة ، لا أثر لها ما لم تنته