للنّار ، لأنّ النّار حارة بالطبع ، والبرودة ذاتيّة للماء ، لأنّه جسم بارد بالطبع ، لكن الحرارة ذاتية على نحو العلّة التامة ، ونسبة البرودة إلى الماء نسبة المقتضى إلى المقتضي ، أي أنّه لو خلّي الماء وطبعه فهو بارد ، لكن يمكن أن يتخلّف ، إذن ، فالذاتي على نحوين.
وحينئذ يحتاج إلى استئناف بحث ، في أنّ الحجيّة ، هل هي ذاتية عليّا ، أو أنّها ذاتية اقتضائيا؟. فإذا كانت ذاتية عليّا ، فهذا معناه : انّ حكم العقل بالحجيّة يكون تنجيزيا ، وأمّا إذا كانت الحجيّة اقتضائية ، فهذا معناه : انّ العقل يحكم بالحجيّة التعليقية ، بمعنى أنّه على تقدير عدم المانع يحكم العقل بحجية القطع ، بأن يفرض انّ العقل يرى انّ القطع حجّة ما لم يجيء ترخيص على خلافه ، حيث أنّ مجيء الترخيص على خلافه يرفع موضوع الحجيّة.
ومرجع هذا الكلام ، إلى أنّ حجيّة القطع لا بدّ من حسابها ، وهل أنّها تنجيزية أو تعليقيّة ، فعلى الأول تكون نسبتها إلى القطع نسبة المعلول إلى العلّة التامة ، وحينئذ ، يكون الترخيص مناف ومضاد للحجيّة ، وإذا كانت حجيّة القطع اقتضائية تعليقيّة ، تكون نسبتها إلى القطع نسبة المقتضى إلى المقتضي ، وحينئذ لا يكون الترخيص مناف ومضاد لحكم العقل.
وبناء عليه : فهذا المقدار لا يكفي للبرهنة إذن ، ما لم يتحقّق أنّ نسبة الحجيّة هي نسبة المعلول إلى العلّة التامة ، وإلّا فلا تنافي ولا تضاد.
والحاصل هو ، أنّ البرهان الثاني بهذا المقدار الّذي عرفت هو غير تام أيضا ، لأنّ ما ذكر فيه من انّ إزالة الحجيّة عن القطع تفكيك بين الذات والذاتي ، والعلّة والمعلول هو ، غير كاف في البرهنة ، وإنّما يصلح للبرهنة فيما لو كانت علّية القطع للتنجيز علّية تامة لا علّية اقتضائية