وحينئذ يقال : إنّ هذه الحرمة الشرعية ، تارة يفرض ثبوتها بملاك قبح التجري ، بقانون الملازمة بين حكم العقل ، وحكم الشرع.
وأخرى يفرض ثبوتها بملاك من نوع ملاكات حرمة الخمر.
فإن فرض ثبوتها بالأول ، إذن فهذه الحرمة لا تنافي الوجوب الواقعي ، لا بلحاظ عالم الملاكات ، ولا بلحاظ عالم الامتثال.
أمّا الأول ، فلتغاير الملاك سنخا ، لأنّ الوجوب الواقعي ملاكه عالم الحب والمصلحة ، والحرمة ملاكها ، القبح ، ولا تنافي بين كون الشيء قبيحا ، وبين كونه ذا مصلحة.
وأمّا الثاني ، فمن الواضح عدم التنافي ، لأنّ الوجوب محجوب عن المكلّف ، فلا محركيّة له.
نعم لو كانت هذه الحرمة الشرعيّة لها ملاك يدخل في عالم الحب والبغض ، والمصلحة والمفسدة ، حينئذ ، يقع التنافي ما بين الوجوب الواقعي وبين هذه الحرمة ، لكنّه مجرّد فرض.
٢ ـ التنبيه الثاني :
وفيه نتعرّض لثمرة ذكرها المحقّق العراقي «قده» (١) للقول بقبح التجري ، حيث ذكر أنّ هنا ثمرة عملية فقهية تترتب على افتراض القبح إثباتا ونفيا ، وقد صوّرها في موارد التجري الاحتمالي.
وذلك كما لو فرض أنّه قامت عند المكلّف إمارة على حرمة الجمعة ، فصارت الحرمة منجزة عليه بالاحتمال المعتبر ، لكن مع هذا ، يحتمل أنّه غير حرام في الواقع ، ويحتمل وجوبها العيني.
فلو فرض انّ هذا المكلّف أتى بالجمعة برجاء أن تكون واجبة
__________________
(١) منهاج الأصول : الكرباسي ، ج ٣ ، ص ٧٥ ، ٧٦.