إذن فمعرفتنا بالواقع الموضوعي ليست بديهية لا تفصيلا ، ولا إجمالا ، ولا مستنبطة من قانون العلية ، لأنّ قانون العليّة يبني على انّ هذه الصورة لها علّة ، ولكنّه لا يعيّن أنّ علّتها هل هو الواقع الموضوعي ، أو الحركة الجوهرية للنفس ، وإنّما الّذي يعيّن أنّ العلّة من خارج هو حساب الاحتمال.
وبهذا يتضح لدينا ، صورة إجمالية عن الاختيارات الّتي انتهينا إليها في الأسس المنطقية للاستقراء ، وتفصيل ذلك في محله.
وبهذا يتبين لنا ، أنّ العقل الأول ، منحصر في الأوليات والفطريات والحسيّات المحسوسة بالذات ، وأمّا بقية القضايا الّتي عدّوها من البديهيات ، فإنّها ليست من العقل الأول ، بل هي قضايا مستنبطة على أساس حساب الاحتمالات كما عرفت.
٢ ـ المقام الثاني : في العقل الثاني :
وهو أنّ أرسطو والمناطقة بعد أن فرغوا من العقل الأول وفرضوه وقالوا : بأنّ كل ما يستنبط بطريقة صحيحة من العقل الأول يكون عقلا ثانيا مضمون الحقّانيّة ببركة ضمان حقّانيّة العقل الأول ، وكل ما لا يستنبط منه بطريقة صحيحة لا يكون مضمون الحقّانيّة ، وطرق الاستدلال والاستنباط عندهم هي القياس ، والاستقراء ، والتمثيل ، والثاني والثالث ، لا يرون حجيتهما إلّا إذا أرجعا إلى القياس ، إذن ، فالطريق الوحيد والصحيح منها لاستنباط المعرفة من العقل الأول هو الشكل الأول من القياس ، ويتقوم هذا الشكل بحدود ثلاثة ، هي أصغر ، وأوسط ، وأكبر ، وبين كل حد والحد الّذي يليه مباشرة لا يوجد حد ، وهذا يعني : انّ القضية أوليّة ، ولكن ثبوت الحد الثالث للحد الأول يعني قضية مستنبطة دون ثبوت الحد الثاني للأول ، ولا ثبوت الثالث للثاني ، لأنّه لا حدّ أوسط بينهما ، وحينئذ ، إذا أخذنا بذلك ، فمعناه : إنّنا إذا وضعنا قائمة