هذا هو الكلام في العقل العملي بكلا مقاميه ، وبهذا يتضح انّه لا يتصور قصور في كاشفية الدليل العقلي ، وإلى هنا يتمّ الكلام في المقام الثاني.
٣ ـ المقام الثالث :
هو دعوى أن يكون القصور المدّعى في الدليل العقلي ، من ناحية المنجزية والمعذرية بمعناها الأصولي ، وفي هذه المرحلة ، يفرض أن الأخباري يعترف بأنّ الجعل الشرعي لا قصور في إطلاقه ، وانّ الدليل العقلي لا قصور في كاشفيته وسلّم حصول القطع من الدليل العقلي ، إلّا أنّه يدّعي عدم معذريّة هذا القطع الناشئ من العقل ، بسبب نهي الشارع عن اتباعه ، وهذا النهي يمكن تصوره ثبوتا ، على نحوين ، كما أشار إليه الشّيخ الأعظم «قده» (١) في الرّسائل.
١ ـ النحو الأول : هو دعوى نهي الشارع عن اتباع القطع الناشئ عن الدليل العقلي بعد فرض حصوله.
٢ ـ النحو الثاني : هو دعوى نهي الشارع قبل حصول القطع عن الخوض في المقدّمات العقلية في مقام استنباط الأحكام الشرعية ، وصرف الذهن إلى استنباطها من الأدلة اللفظية.
ويظهر الفرق بين هذين النحوين من النهي فيما لو اتفق أنّ إنسانا حصل له قطع عقلي بحكم شرعي من دون أن يتسبّب في ذلك ، ويرتب له مقدّماته العقلية ، بحيث يشمله النهي عن العمل بقطعه ، لو كان النهي باللّسان الأول ، دون اللّسان الثاني ، فإنّه لا يشمله كما هو واضح.
وقد يقال : بأنّ النهي باللّسان الثاني إنّما يفيد قبل الاستدلال
__________________
(١) المصدر السابق.