كتاب الأسس المنطقية للاستقراء ، وحيث انّ الخوض فيها تفصيلا يخرجنا عن غرض بحثنا فلا بدّ من ذكر شيء ولو إجمالا يتمثل في نظرية أخرى يقع مجملها في مقامين.
١ ـ المقام الأول : في العقل الأول :
وخلاصته : هو أنّ منطق أرسطو يرى انّ القضايا الست وهي القضايا العقلية الأولية هي أساس المعرفة البشرية ، وتكوّن المواد الرئيسية لكتاب البرهان ، لأنّها مضمونة الحقّانيّة.
ونحن لا نسلم ذلك في كل هذه القضايا ، بل إنّ ما نسلمه قسمين من هذه القضايا الست ، وهما الأوليات ، من قبيل «استحالة اجتماع النقيضين» ، والفطريات الّتي هي عبارة عن القضايا الّتي قياساتها معها من قبيل ، «انّ الأربعة زوج لأنّها تنقسم إلى متساويين» ، بينما لا نسلم كون القضايا الأربعة الأخرى من التجريبيات ، والحدسيات ، والمتواترات ، والمحسوسات ، انّها قضايا أولية لا تعتمد على قضايا قبلية ، وذلك لأنّه لو أخذنا على سبيل المثال التجريبيات ، نرى أنّ المنطق الأرسطي عند ما يجري تجارب عدّة على قطع عديدة من الحديد ، ويرى أنّه يتمدد بالحرارة فالعقل يحكم حينئذ ، بأنّ كل حديد يتمدد بالحرارة ، فهذه قضية تجريبية خارجية ، حيث جرّبنا مائة قطعة حديد فوجدناها تتمدد بالحرارة ، وبعد ذلك لم نصدر الحكم على خصوص المتمدد بالحرارة ، بل عمّمنا الحكم على كل حديد.
وحينئذ في بادئ النظر يخطر على بال الإنسان العرفي أنّ مدرك هذا الحكم هو هذه التجارب العديدة ، ومن هنا يقال : بأنّ النتيجة هنا أكبر من المقدّمات ، لأنّ المقدّمات في الدليل محصورة بعدد معين ، بينما النتيجة تشمل كل حديد في العالم ، والحال على عكس ذلك في الاستنباط والقياس من الشكل الأول ، فإنّ النتيجة إمّا مساوية للمقدّمات