المقطوع به ، للزم في فرض إصابة القطع للواقع ، اجتماع الضدين واقعا ، فلو قطع المكلّف بالوجوب مثلا ، وفرض أنّ الشارع ردع عن العمل بذلك وأبطل منجزيته ، وذلك بجعل ترخيص على خلافه ، فهذا القطع حينئذ ، إن كان مطابقا للواقع ، فيلزم اجتماع الضدين ، الوجوب المقطوع به مع الترخيص المجعول ردعا للقاطع ، ويلزم هذا سواء في حالة الإصابة ، أو في نظر القاطع في فرض الخطأ وكلاهما محال ، لأنّ القاطع هو قاطع بثبوت الوجوب ، فإذا جعل في حقّه الترخيص ، إذن يلزم أن يكون قاطعا باجتماع الضدين ، وهما الوجوب والترخيص ، سواء كان قطعه مصيبا أو لا ، وهو محال كما تقدّم والقطع بوقوع المحال ، محال.
٢ ـ البرهان الثاني : هو أنّ الردع من قبل الشارع عن التكليف المقطوع به ، مناف ومناقض مع حكم العقل بحجيّته ومنجزيته ، فيكون مستحيلا ، لأنّ الشارع لا يعقل أن يحكم بحكم يكون مناف لحكم العقل ، وقد فرضنا أنّ العقل يستقل في المقام بحجية القطع ، إذن ، فمع استقلاله وكون الحجيّة من ذاتيات القطع غير القابلة للانفكاك عنه ، حينئذ يكون حكم الشارع مستحيلا ، لأنّه إن أريد بذلك الحكم الشرعي إزالة الحجية الذاتية حقيقة فهو تفكيك بين الذات والذاتي وهو غير معقول لأنّ الحجيّة ذاتية ، وإن أريد جعل هذا الحكم الشرعي في قبال الحجيّة الذاتية عقلا فهو حكم شرعي معارض مع حكم العقل لأنّه جمع بين النقيضين وهو مستحيل أيضا. ويستحيل صدوره من الشارع.
٣ ـ البرهان الثالث : هو أن يقال : إنّ الردع عمّا قطع به يلزم منه نقض الغرض ، وذلك لأنّ المولى بعد فرض إنّنا قطعنا بأنّه جعل الوجوب واقعا ، فإذا رخّص بمخالفته ، حينئذ ، يتوجه سؤال :
وهو أنّه لما ذا جعل الوجوب إذن ، وما الغرض من جعل الحجيّة