وأمّا ما جاء في الدعوى الثانية : وهو أنّ العلم الإجمالي يستدعي حرمة المخالفة القطعية ، وحرمة المخالفة القطعية تستدعي تعارض الأصول ، وتعارضها يستدعي التساقط ، فيكون العلم الإجمالي منجزا.
فهنا نسأل : أنّه ما هو المقصود بالأصول المتعارضة ، ومن ثمّ المتساقطة؟
فهل المقصود بها كلتا البراءتين ، الشرعية والعقلية ، أو خصوص الشرعية؟.
فإن أريد مطلق البراءة ، حيث يقال : بأنّه كما يتمّ في الشرعية ، يتمّ في العقلية ، لأنّه كما يقال في البراءة الشرعية أنّ جريانها في هذا دون ذاك ترجيح بلا مرجح ، وكذلك في ذاك ، وجريانها فيهما معا غير معقول لاستلزام المخالفة القطعية ، كذلك يقال في البراءة العقلية حيث يقال : إنّنا نتعامل مع قاعدة قبح العقاب بلا بيان كذلك.
ولكن هذا غير معقول ، لأنّ البراءة العقلية حكم عقلي ، ولا تعارض في أحكام العقل بحسب مقام الإثبات ، وإنّما يجب أن ينظر إلى ملاكها بحسب مقام الثبوت ، وحينئذ يقال : بأنّ البراءة العقلية ملاكها تام في كلا الطرفين إذا لوحظت الخصوصية ، بمعنى أنّ كلا الطرفين مجرى للبراءة العقلية بخصوصه ، لأنّه لم يتمّ عليه البيان ، ولا يلزم الترخيص في المخالفة القطعية ، فإنّ وجوب الظهر بما هو وجوب الظهر ، هو مجرى للبراءة ، وكذلك الجمعة ، لأنّ التأمين بلحاظ الخصوصية لا يلزم منه التأمين بلحاظ الجامع الموجود في ضمن الخصوصية.
وهذا التحليل لا نجريه في أدلة الأصول الشرعية ، لأنّه غير عرفي ، لأنّ أدلة الأصول الشرعية خطابات عرفية ، وهذا التحليل ليس عرفيا ، بأن يقال : بأنّنا نؤمّن عن الخصوصية مع تنجيز الجامع الموجود في