وأين هذا من إكرام العالم ، إذن فالميزان في وجوب الموافقة القطعية ليس هو مطلق كون الشبهة موضوعية ، بل كون الشبهة موضوعية بلحاظ تقييدها بقيد داخل تحت الأمر ، فإذا كانت كذلك ، حينئذ لا بدّ من الجزم ، ولا جزم إلّا بالجمع بين الطرفين ، وبهذا يتمّ برهان الدعوى الثانية ، وبه يتمّ تنقيح مسلكنا.
والخلاصة هي : إنّ الميزان في وجوب الموافقة القطعية ليس هو كون الشبهة موضوعية ، بل هو كون العلم الإجمالي ناشئا من التردّد في قيد مأخوذ تحت الأمر وداخل في العهدة كما عرفت في المثال ، وإلّا فقد تكون الشبهة موضوعية ومع ذلك لا تجب الموافقة القطعية كما لو قيل : «إذا جاء زيد فأكرمه» ، وقيل : «إذا جاء عمرو فأكرمه» ، وعلمنا بمجيء أحدهما إجمالا ، فيتحقّق عندنا علم إجمالي بوجوب إكرام أحدهما ، وهذا العلم الإجمالي نشأ من شبهة موضوعية ، لأنّه ناشئ من الشك في تحقق شرط الوجوب خارجا ، ومع ذلك لا تجب الموافقة القطعية ، بل يكتفي بإكرام أحدهما ، لأنّ الداخل في عهدة المكلّف هو ذات الإكرام ، من دون تقييد بأيّ وصف مخصوص ، وعليه فنحن نعلم بوجوب الجامع وهذا يتحقّق بإكرام أحد الفردين.
٢ ـ المسلك الثاني : وهو للميرزا «قده» كما في أجود التقريرات (١) حيث ذهب إلى أنّ العلم الإجمالي لا يقتضى بنفسه وجوب الموافقة القطعية ولا يؤثر بذلك أصلا بصورة مباشرة ، ولكن يؤثر بصورة غير مباشرة ، وهذا المسلك ينحل إلى دعويين.
١ ـ الدعوى الأولى : هي أنّ العلم الإجمالي لا يؤثر تأثيرا مباشرا في وجوب الموافقة القطعية ، وقد استدلّ على هذه الدعوى ، بأنّ العلم
__________________
(١) أجود التقريرات : الخوئي ، ج ٢ ، ص ٢٣٠ ـ ٢٣١.