إلى كل قضية وقلنا بأنّه حصل خطأ في هذا الاستدلال ، فإن كان في الصورة ، فالمنطق هو الّذي يعصم ، وإن كان في المادة ، فإن كانت أولية فلا معنى للخطإ فيها ، وإن كانت ثانوية ، إذن فهي بحاجة إلى برهان ، ثمّ ننقل الكلام إلى هذا البرهان ، فإنّ له صورة ، ومادة ، والخطأ إمّا في صورته ، وإمّا في مادته ، وهكذا ، ولكي لا يلزم التسلسل ، لا بدّ وأن ينتهي إلى الأوليات ، وعليه : فالخطأ إنّما يرجع إلى الصورة ، وبهذا أبطلوا كلام المحدّث الأسترآبادي «قده».
والحاصل : هو أنّ الأعلام من الأصوليين عند ما تصدوا للجواب عن الشبهة ، افترضوا الكلام في اليقين المنطقي البرهاني ، وحينئذ ، قالوا : إنّ هذه الشبهة غير واردة ، لأنّ كثرة الأخطاء إنّما وقعت بسبب عدم مراعاة قواعد المنطق العاصم عن الخطأ ، فلو أنّ قواعد المنطق روعيت لما وقع الخطأ ، وذلك لأنّ المعرفة البشرية تنقسم إلى عقلين.
١ ـ العقل الأول : هو عقل أوّلي ، وهو عبارة عن إدراك المعارف الأولية الّتي هي أساس معرفة الإنسان ، وهذه المعارف الأولية هي عبارة عن القضايا الست المعروفة ، وهي : الأوليات ، والفطريات الّتي قياساتها معها ، والتجريبيات ، والحدسيات ، والمحسوسات ، والمتواترات ، فهذه القضايا تشكل العقل الأولي ، وهي قضايا مضمونة الحقّانيّة بذاتها.
٢ ـ العقل الثاني : هو العقل الثانوي ، وهو عبارة عن البرهان واستخراج معلومات من تلك المعلومات الأولية ، وفي هذا العقل الثاني ، كل قضية ومعرفة تمّ استخراجها من قضايا العقل الأول على أساس وضوء قواعد المنطق ، تكون مضمونة الحقّانيّة ، لضمان حقّانيّة العقل الأول ، إذ أنّ القضية والمعرفة المستخرجة منه لازمة له ولازم الحق حق لا محالة ، وأمّا إذا لم يكن استخراجها منها قائما على أساس قواعد علم المنطق فإنّها لا تكون مضمونة الحقّانيّة ، وفي مثلها يكثر