نتكلم عن استدلالات عقلية على قضايا تستلزم أمورا ثبت بطلانها ، إذ أنّ مثل هذا لا إشكال في بطلانه ، فإنّ ما يستلزم الباطل باطل.
كما انّ محل الكلام ليس من الحالة الثانية ، فإنّا لا نتكلم في اعتقادات عقلية يزول البرهان العقلي فيها بظهور الخطأ في أمور أخرى ، لأنّ البرهان هنا ليس النسبة ، بل هو الوجدان العقلي ، إذ هذا الوجدان بالمقدار الملحوظ منطقيا لا علاقة له بالوجدانات الأخرى.
نعم الحالة الثالثة داخلة في محل الكلام ، فيقال : ما دمت قد أخطأت عشرة إخطاءات ، إذن لا يبقى لي ثقة بهذا الوجدان ، وحصول هذه الحالة النفسية الّتي تمنع من حصول الثقة باليقين العقلي أمر وجداني ، فقد يحصل عند شخص أخطاء يقينية عدّة مرّات ومعها لا يبقى له ثقة بوجدانه العقلي بعد ذلك ، وهذا أمر معقول قد يتفق لإنسان ، لكنّه قد لا يتفق لإنسان آخر ، وذلك لأنّ هذا أمر وجداني ، والقضية فيه ليست مبنية على ترابط منطقي أو تلازم موضوعي بين هذه القضية والقضية الأخرى ، بل هو مبني على أمور نفسية قد تحصل بموجبها القريحة النفسية الّتي توجب زوال الثقة بالوجدان العقلي ، وقد لا تحصل بموجبها تلك القريحة الّتي توجب زوال الثقة به ، فهي تختلف باختلاف الأشخاص ، وعلى كلّ حال لا ملازمة بين هذه التفصيلات.
إذن فروح هذا المطلب ، يرجع إلى التجربة ، لأنّ هذه الحالة سببها سرعة التصديق وتكرار حالة «ما» ، وهكذا.
ولا إشكال في أنّ العلماء الّذين استندوا إلى الأدلة العقلية وجدت عندهم قناعات كاملة بذلك ، وعلى أساسه ترتبت هذه النتيجة بعد أن كانوا لا يرون حجيّة الظنون.
هذا كله إن كان المراد من اليقين الّذي لا يعطيه الدليل العقلي لكثرة الأخطاء ، هو اليقين الأصولي.