يلتفت إلى الشيء مرّة بعد مرّة ، فإنّ هذا يؤدّي إلى زوال الثقة منه بهذا الوجدان العقلي ، ومعه لا يحصل للمستدلّ العقلي يقين.
والحاصل هو أنّ كثرة وقوع الأخطاء في الاستدلالات العقلية يوجب زوال الثقة بهذا الوجدان العقلي ، ومعه لا يحصل للمستدل يقين.
وهذا التقريب يفرق عن التقريب السابق ، بأنّه في التقريب السابق كان يتصور بأنّ مدرك التصديق هو ملاحظة النسبة الرياضية للصواب وللخطإ ، ولهذا قلنا بأنّ مدرك التصديق بالنسبة لنفس المباشر لعملية الاستدلال ليس هو النسبة ، بل هو الوجدان العقلي ، بينما في هذا التقريب يعترف بأنّ مصدر التصديق هو هذا الوجدان العقلي ، لكن يقال : بأنّ هذا الوجدان لا يولد اليقين بسبب ما يراه صاحب هذا الوجدان من كثرة وقوع الأخطاء.
ويردّ على هذا الكلام نقضا وحلا.
أمّا نقضا : فإنّه يقال : بأنّ مرجع هذه الدعوى إلى أنّ العقل يرى انّ كثرة الأخطاء مانعة من تأثير هذا الوجدان العقلي في حصول اليقين.
وهذه الدعوى بنفسها من مدركات العقل ، إذ ليست هي مفاد آية ولا رواية ، بل هي من مدركات العقل الّذي يقع فيه هذا الخلاف ـ النفي والإثبات ـ وعليه : فكيف يعقل أن يدّعي الطرف المقابل هذه الدعوى في مقام إلزامنا برفع اليد عن الدليل العقلي ، لأنّه إن ادّعى هذه الدعوى بنحو اليقين والجزم ، فهذا بنفسه تكذيب للدعوى ، لأنّه حصل له يقين بإدراك عقلي ، وهو خلف دعواه نفسها ، وإن فرض أنّه لم يدّع حصول اليقين والجزم بها ، فحينئذ ، هو وشأنه ، ولكن دعواه لا تصلح دليلا ملزما للغير برفع اليد عن التعويل على الدليل العقلي.
ويردّ عليه حلا بأن يقال : إنّ بطلان يقين بسبب ظهور الخطأ في يقين آخر له ثلاث حالات.