وإن كان القاتل والفاعل واحدا من بين الجماعة ، ومنه من قرأ : (يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) (١) بتقديم المفعولين على الفاعلين ، وهو اختيار الكسائي ، وأبي العبّاس ثعلب ، فيقتل بعضهم ويقتلون ، وهو أبلغ في وصفهم وأمدح لهم ، لأنهم إذا قاتلوا وقتلوا بعد أن قتل بعضهم كان ذلك أدل على شجاعتهم» (٢).
وقد قرأ كلّ من حمزة والكسائي وخلف : (فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ)، بضمّ الياء وفتح التاء في الحرف الأوّل ، وفتح الياء وضمّ التاء في الحرف الثاني ، أي ببناء الأوّل للمفعول والثاني للفاعل. والباقون : (فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ)، بفتح الياء وضمّ التاء في الحرف الأوّل ، وضمّ الياء وفتح التاء في الحرف الثاني ، أي ببناء الأوّل للفاعل والثاني للمفعول ، لأن القتال قبل القتل (٣). وقد علل الدمياطي (ت ١١١٧ ه) قراءة حمزة والكسائي بقوله : «أما لأن الواو لا تفيد الترتيب أو يحمل ذلك على التوزيع ، أي منهم من قتل ومنهم من قاتل» (٤). والقول الثاني غير بعيد عن قول الشريف المرتضى.
ومن مواطن احتجاجه بالقراءات هو ما أشار إليه في بيانه لدلالة قوله تعالى : (قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) (٥) ، فقد ذكر قول بعض المفسّرين : إنّ الهاء في قوله تعالى : (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) راجعة إلى السؤال ، والمعنى أن سؤالك إيّاي ما ليس لك به علم عمل غير صالح ؛ لأنه قد وقع من نوح عليهالسلام السؤال والرغبة في قوله : (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُ) (٦) ، ولكن الشريف المرتضى الّذي يقول بعصمة الأنبياء عليهمالسلام يرفض هذا القول ، ويرى أن الهاء في الآية لا يجب أن تكون راجعة إلى السؤال ، بل إلى الابن ، «ويكون تقدير
__________________
(١) سورة التوبة ، الآية : ١١١.
(٢) أمالي المرتضى ، ٢ : ٢٢٤.
(٣) ينظر الروضة في القراءات الإحدى عشرة : ٥٦٧ ، والنشر في القراءات العشر ، ٢ : ٢٤٦ ، واتحاف فضلاء البشر : ١٨٤ و ٢٤٥.
(٤) اتحاف فضلاء البشر : ١٨٤.
(٥) سورة هود ، الآية : ٤٦.
(٦) سورة هود ، الآية : ٤٥.