ووقف المرتضى عند قوله تعالى : (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) (١) ، ويجد أن بعضهم يستدلّ بهذه الآية على نسبة الأفعال الّتي تظهر من العباد إليه تعالى ، لأنه قال بعد ما تقدم من أفعالهم ومعاصيهم : (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) فأضافها إلى نفسه (٢) ، وهذا ما يرفضه الشريف المرتضى ويرده بقوله : «وكيف يجوز أن يضيف تعالى ما ذكره من آل فرعون من ذبح الأنبياء وغيره إلى نفسه ، وهو قد ذمّهم عليه ، ووبخهم! وكيف يكون ذلك من فعله ؛ وهو تعالى قد عدّ تخليصهم منه نعمة عليهم!» (٣). وبعد هذا الاحتجاج العقلي يستشهد المرتضى بأدلّة قرآنية لدفع الشبهة وتوكيد المعنى الّذي يذهب إليه ، فقال : «أصل البلاء في كلام العرب الاختبار والامتحان ، ثمّ يستعمل في الخير والشرّ ، لأنّ الاختبار والامتحان قد يكون في الخير والشرّ جميعا ، كما قال تعالى : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ) (٤) ، يعني اختبرناهم ، وكما قال تعالى : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) (٥) ، فالخير يسمّى بلاء ، والشرّ يسمّى (٦) ويرجّح المرتضى أن يكون المراد بالبلاء في الآية الإحسان والنعمة ، وقوله تعالى : (وَفِي ذلِكُمْ) إشارة إلى ما تقدّم ذكره من تخليصهم من المكروه والعذاب (٧).
وقد ذكر ابن الجوزي (ت ٥٩٨ ه) أنّ لفظة (البلاء) في القرآن الكريم جاءت على وجهين : الأوّل : الاختبار ، ومنه قوله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ) (٨) ، والثاني : النعمه ومنه قوله تعالى : (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) (٩) (١٠).
ولنا أن نشير إلى أنّ سياق الآيات يرجّح معنى النعمة ، لأن ما قبل الآية
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ٤٩.
(٢) ينظر أمالي المرتضى ، ٢ : ١٠٨.
(٣) نفسه ، ٢ : ١٠٩.
(٤) سورة الأعراف ، الآية : ١٦٨.
(٥) سورة الأنبياء ، الآية : ٣٥.
(٦) كذا في الأصل.
(٧) نفسه ، ٢ : ١٠٨.
(٨) سورة البقرة ، الآية : ١٢٤.
(٩) سورة البقرة ، الآية : ٤٩.
(١٠) ينظر نزهة الاعين النواظر : ١٥٦ ـ ١٥٧ ، وتأويل مشكل القرآن : ٤٦٩ ـ ٤٧٠.