حيث ظنّ أن العقوبة لا تكون إلّا في محلّ الذّنب ، وهذا القول يوجب عليه ألّا يجلد ظهر الزاني ، وتختص العقوبة بفرجه ، وكذلك القاذف كان يجب أن يعاقب في لسانه دون سائر أعضائه ؛ والخبر الذي استشهد به حجّة عليه ، لأنّا نعلم أنّ اللسان أقوى حظأ في باب الكلام من الشّفة ، فلم لم يخصّ بالعقوبة وحلّت بالشفاه دونه؟ ثم غلطه في تأويل الآية التي أوردها أقبح من كل ما تقدّم ؛ لأنّه توهّم أنّ ما تضمّنته الآية من تخبّط آكل الربا وتعثّره عند القيام إنّما هو في الدنيا من حيث يثقل ما أكله في معدته فيمنعه من النّهوض ؛ ونحن نعلم ضرورة خلاف ذلك ، ونجد كثيرا من آكلي الربا أخفّ نهوضا ، وأسرع قياما وتصرّفا من غيرهم ؛ ممّن لم يأكل الربا قطّ ؛ والمعنى في الآية هو ما ذكره المفسّرون من أنّ ما وصفهم الله تعالى به يكون عند قيامهم من قبورهم ، فليحقهم العثار والزّلل والتّخبّل على سبيل العقوبة لهم ، وليكون ذلك أيضا أمارة لمن يعاقبهم من الملائكة والخزنة على الفرق بين الوليّ والعدوّ ، ومستحقّ الجنة ومستحقّ النار. وليس بمعروف ولا ظاهر أنّ الأجذم هو المجذوم ؛ وردّ ابن قتيبة معناه واشتقاقه إلى الجذم الذي هو القطع يوجب عليه أن يكون كلّ داء يقطّع الجسد ويفرّق أوصاله كالجدريّ والأكلة وغيرهما ، يسمّى جذاما ، ويسمّى من كان عليه أجذم ، وهذا باطل.
وأمّا قول الشاعر (١) :
حرّق قيس علي البلا |
|
د حتّى إذا اضطرمت أجذما |
فليس من هذا الباب ؛ بل هو من الإجذام الذي هو الإسراع ؛ فكأنّه قال : لمّا اضطرمت أسرع عني ، وتباعد مني. والإجذام ، بالذال المعجمة والدال غير المعجمة جميعا : الإسراع ؛ فأمّا قول عنترة في وصف الذّباب (٢) :
__________________
(١) هو الربيع بن زياد العبسي ، من أبيات في (الحماسة بشرح التبريزي ٢ / ٦١ ـ ٦١ / ٦٣) ، واللسان (جذم).
(٢) من المعلقة بشرح التبريزي ص ١٨٠ ، وقبله :
وخلا الذّباب بها فليس ببارح |
|
غردا كفعل الشّارب المترنّم |