المرأة التي تملك أمرها على نفسها بغير ولي ، وهذه المسألة يوافق فيها أبو حنيفة ويقول : إنّ المرأة إذا عقلت وكملت زالت من الأب الولاية عليها في بضعها ، ولها أن تزوّج نفسها ، وليس لوليها الاعتراض عليها إلّا إذا وضعت نفسها في غير كفو (١).
وقال أبو يوسف ومحمد : يفتقر في النكاح إلى الولي ، لكنّه ليس بشرط فيه ، فإذا زوّجت المرأة نفسها فعلى الولي إجازة ذلك (٢).
وقال مالك : المرأة المقبحة الذميمة لا يفتقر نكاحها إلى الولي ، ومن كان بخلاف هذه الصفة افتقر إلى الولي (٣).
وقال داود : إن كانت بكرا افتقر نكاحها إلى الولي ، وإن كانت ثيّبا لم يفتقر (٤).
دليلنا على ما ذهبنا إليه ـ بعد إجماع الطائفة ـ قوله تعالى : (فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) فأضاف عقد النكاح إليها ، والظاهر أنّها تتولّاه ، وأيضا قوله تعالى : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا) فأضاف تعالى التراجع ـ وهو عقد مستقل ـ إليهما ، والظاهر أنّهما يتوليانه.
وأيضا قوله تعالى : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (٥) فأباح فعلها في نفسها من غير إشتراط الولي ؛ ولا يجوز للمخالف أن يحمل اشتراط المعروف على تزويج الولي لها ؛ وذلك أنّه تعالى إنّما رفع الجناح عنها في فعلها بنفسها بالمعروف ، وعقد الولي عليها لا يكون فعلا منها في نفسها.
وأيضا فقوله تعالى : (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) (٦) فأضاف العقد إليهن ، ونهى الأولياء عن معارضتهن ، والظاهر أنّهن يتولّينه.
__________________
(١) المغني (لابن قدامة) ، ٧ : ٣٣٧.
(٢) نفس المصدر.
(٣) المحلّى ، ٩ : ٤٥٧.
(٤) المجموع ، ١٦ : ١٤٩.
(٥) سورة البقرة ، الآية : ٢٣٤.
(٦) سورة البقرة ، الآية : ٢٣٢.