واحدة ، دليلنا ـ بعد الاجماع المتردد ـ أن يدلّ على أنّ المشروع في الطلاق إيقاعه متفرقا ، وقد وافقنا مالك وأبو حنيفة على أنّ الطلاق الثلاث في الحال الواحدة محرّم مخالف للسنّة إلّا أنّهما يذهبان مع ذلك إلى وقوعه (١) ، وذهب الشافعي إلى أنّ الطلاق الثلاث في الحال الواحدة غير محرّم (٢).
والذي يدلّ على صحة ما ذهبنا إليه قوله تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) ولم يرد بذلك الخبر ؛ لأنّه لو أراده لكان كذبا ، وانّما أراد الأمر فكأنّه قال تعالى : طلّقوا مرتين ، وجري مجرى قوله تعالى : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) (٣) ، والمراد يجب أن تؤمنوه ، والمرّتان لا تكونان إلّا واحدة بعد أخرى ، ومن جمع الطلاق في كلمة واحدة لا يكون مطلقا مرّتين ، كما أنّ من أعطى درهمين دفعة واحدة لم يعطهما مرتين.
فإن قيل : العدد إذا ذكر عقيب الاسم لم يقتض التفريق ، مثاله : إذا قال : له علي مائة درهم مرّتان ، وإذا ذكر العدد عقيب فعل اقتضى التفريق ، مثاله : ادخل الدار مرتين أو ضربت مرتين ، والعدد في الآية عقيب اسم لا فعل. قلنا : قد بيّنا أنّ قوله تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ)، أن معناه طلّقوا مرتين ، فالعدد مذكور عقيب فعل لا إسم.
فإن قيل : إذا ثبت وجوب تفريق الطلاق فلا فرق بين أن يكون في طهر واحد أو طهرين ، وأنتم لا تجوّزون تفريقه في طهر واحد ، قلنا : إذا ثبت وجوب التفريق فكلّ من أوجبه يذهب إلى أنّه لا يكون إلّا في طهرين ، فإن قيل : فإذا كان الثلاث لا تقع ، فأيّ معنى لقوله تعالى : (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) (٤) ، وإنّما المراد : أنّك إذا خالفت السنّة في الطلاق وجمعت بين الثلاث وتعديت ما حدّه الله تعالى لم تأمن أن تتوق نفسك إلى المراجعة فلا تتمكّن منها.
قلنا : قوله تعالى : (لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) مجمل غير مبيّن ، فمن أين
__________________
(١) المجموع ، ١٧ : ١٣٠.
(٢) الأم ، ٥ : ١٨٣.
(٣) سورة آل عمران ، الآية : ٩٧.
(٤) سورة الطلاق ، الآية : ١.