الجميع فيه ، وما المعنى في قوله : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)؟ وهل أراد الإقامة والحضور الذين هما ضدا الغيبة ، أو أراد المشاهدة والإدراك؟.
الجواب : قلنا : أمّا قوله تعالى : (أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) فقد قال قوم : المراد به أنّه تعالى أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا في شهر رمضان ، ثمّ فرّق إنزاله على نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم بحسب ما تدعوا الحاجة إليه.
وقال آخرون : المراد بقوله : (أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)؛ أنّه أنزل في فرضه وإيجاب صومه على الخلق القرآن ؛ فيكون «فيه» بمعنى في فرضه ، كما يقول القائل : أنزل الله في الزكاة كذا وكذا ، يريد في فرضها ، وأنزل الله في الخمر كذا وكذا يريد في تحريمها.
وهذا الجواب إنّما هرب متكلّفه من شيء ، وظنّ أنّه قد اعتصم بجوابه عنه ، وهو بعد ثابت على ما كان عليه ؛ لأنّ قوله : (الْقُرْآنُ) إذا كان يقتضي ظاهره إنزال جميع القرآن فيجب على هذا الجواب أن يكون قد أنزل في فرض الصيام جميع القرآن ؛ ونحن نعلم أنّ قليلا من القرآن يتضمّن إيجاب صوم شهر رمضان ، وأنّ أكثره خال من ذلك.
فإن قيل : المراد بذلك أنّه أنزل في فرضه شيئا من القرآن ، وبعضا منه.
قيل : فألّا اقتصر على هذا ، وحمل الكلام على أنّه تعالى أنزل شيئا من القرآن في شهر رمضان ولم يحتج إلى أن يجعل لفظة «فيه» بمعنى في فرضه وإيجاب صومه.
والجواب الصحيح : أنّ قوله تعالى : (الْقُرْآنُ) في هذا الموضع لا يفيد العموم والاستغراق ، وإنّما يفيد الجنس من غير معنى الاستغراق ، فكأنّه قال : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) هذا الجنس من الكلام ؛ فأيّ شيء نزل منه في الشهر فقد طابق الظاهر. وليس لأحد أن يقول : إن الألف واللام هاهنا لا يكونان إلّا للعموم والاستغراق ؛ لأنّا لو سلمنا أنّ الألف واللام صيغة العموم والصورة المقتضية لاستغراق الجنس لم يجب أن يكون هاهنا بهذا الصفة ؛ لأنّ