قلنا : إذا سلمنا ذلك كان التعلق به باطلا ؛ لأنه لو كان الأمر بالقضاء على الفور لكان يجب متى أمكنه القضاء أن يتعيّن الصوم فيه حتّى لا يجزي سواه ، ولا خلاف في أنّه يؤخر القضاء ، وإنّما الخلاف في تتابعه بعد الشروع فيه.
[السادس :] وممّا انفردت به الإمامية القول : بأنّ من بلغ من الهرم إلى حدّ يتعذّر معه الصوم وجب عليه الافطار بلا كفّارة ولا فدية ، وإن كان من ذكرنا حاله لو تكلّف الصوم لتمّ له ، لكن بمشقة شديدة يخشى المرض منها والضرر العظيم ، كان له أن يفطر ويكفّر عن كل يوم بمد من الطعام ، وهذا التفصيل لا نعرفه لباقي الفقهاء ...
والحجّة في مذهبنا إجماع الطائفة ، وممّا يجوز أن يستدلّ به على أن الشيخ الذي لا يطيق الصيام ويجوز له الافطار من غير فدية ، قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (١) ، وإذا لم يكن في وسع الشيخ الصوم خرج من الخطاب به ولا فدية عليه إذا أفطر ؛ لأنّ الفدية إنّما تكون عن تقصير ، فإذا لم يطق الشيخ الصوم فلا تقصير وقع منه.
ويدلّ على أنّ من أطاق من الشيوخ الصوم لكن بمشقّة شديدة يخشى منها المرض يجوز له أن يفطر ويفدي ، قوله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ) ومعنى الآية أنّ الفدية تلزم مع الافطار ، وكأنّ الله تعالى خيّر في ابتداء الأمر بهذه الآية للناس كلّهم بين الصوم وبين الافطار والفدية ثم نسخ ذلك بقوله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (٢) وأجمعوا على تناول هذه الآية لكلّ من عدا الشيخ الهرم ممّن لا يشقّ عليه الصوم ، ولم يقم دليل على أنّ الشيخ إذا خاف الضرر دخل في هذه الآية ، فهو إذن تحت حكم الآية الأولى التي تناولته ، كما تناولت غيره ونسخت عن غيره وبقيت فيه ، فيجب أن تلزمه الفدية إذا أفطر ؛ لأنّه مطيق للصوم (٣).
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ٢٨٦.
(٢) سورة البقرة ، الآية : ١٨٥.
(٣) الانتصار : ٦٨.