لأن البشارة بالثواب لا تكون إلا لمستحقه دون من أحبطه وأزاله ، وهذا طريق الاستدلال الذي ما منعنا صاحب الكتاب منه ، وإنما منعناه من ادعاء خروج التائب من الاسم.
فأمّا تقسيمه المراد بالآية ، وادّعاؤه أن الإمامة بمعنى إقامة الحدود ، وتنفيذ الأحكام ، لا يدخل تحتها فباطل ؛ لأنّ الظاهر فيه تصريح بذكر الإمامة التي قد فرّق المخاطبون بينها وبين النبوّة ، فلا بدّ من أن يكون محمولا عليها دون النبوّة ، ولسنا ندري في أي موضع بيّن أنّه لا يدخل تحت ذلك الإمامة التي هي بمعنى إقامة الحدود حتّى ادّعى بيان ذلك فيما سلف من كلامه؟ إن كان ذلك فيه فقد سلف نقضه ، وإن كان فيما يأتي فسيجيىء أيضا بمشيئة الله تعالى نقضه ، وما المنكر من أن يكون إبراهيم عليهالسلام نبيّا إماما ويكون إليه مع تبليغ الرسالة إقامة الحدود ، وتنفيذ الأحكام؟
فإن قيل : من أين لكم أن المراد بلفظة «عهدي» الإمامة ، وهي لفظة مجملة يصحّ أن يعنى بها الإمامة وغيرها.
قلنا : من وجهين اثنين :
أحدهما : دلالة موضوع الآية على ذلك ؛ لأنّه تعالى لما قال لإبراهيم عليهالسلام : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) حكى عنه قوله : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) ومعلوم أنه أراد جعل «من ذرّيتي» أئمة ، ثمّ قال عقيب ذلك : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) فأشار بالعهد إلى ما تقدّم من سؤال إبراهيم عليهالسلام فيه ليتطابق الكلام ، ويشهد بعضه لبعض.
والوجه الآخر : إن «عهدي» إذا كان لفظا مشتركا وجب أن يحمل على كلّ ما يصلح له ، ويصح أن يكون عبارة عنه ، فنقول : إن الظاهر يقتضي أن كلّ ما يتناوله اسم العهد لا ينال الظالم ، ويجري ذلك مجرى أن يقول قائل : «لا ينال عطائي الأشرار» في أن الظاهر يقتضي أن جنس عطائه لا يناله شرير ، ولا يختصّ بعطاء دون عطاء ، وهذا الوجه أيضا مبنيّ على القول بالعموم الذي بيّنا انه عمدة الاستدلال بهذه الآية.