ورابعها : أن يكون الفرقان المراد به القرآن المنزّل على نبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ ويكون المعنى في ذلك : وآتينا موسى التوراة والتصديق والإيمان بالفرقان الذي هو القرآن ؛ لأنّ موسى عليهالسلام كان مؤمنا بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وما جاء به ، ومبشّرا ببعثته. وساغ حذف القبول والإيمان والتصديق وما جرى مجراه وإقامة الفرقان مقامه ؛ كما ساغ في قوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (١) ، وهو يريد أهل القرية.
وخامسها (٢) : أن يكون المراد الفرقان القرآن ، ويكون تقدير الكلام : (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) الذي هو التوراة ، «و» آتينا محمدا «الفرقان» فحذف ما حذف ممّا يقتضيه الكلام ؛ كما حذف الشاعر في قوله :
تراه كأنّ الله يجدع أنفه |
|
وعينيه إن مولاه كان له وفر (٣) |
أراد : ويفقأ عينيه ؛ لأنّ الجدع لا يكون بالعين ؛ واكتفى ب «يجدع» عن «يفقأ».
وقال الشاعر :
تسمع للأحشاء منه لغّطا |
|
ولليدين جسأة وبددا |
أي وترى لليدين ؛ لأنّ الجسأة والبدد (٤) لا يسمعان وإنّما يريان.
وقال الآخر :
علفتها تبنا وماء باردا |
|
حتّى شتت همّالة عيناها (٥) |
أراد وسقيتها ماء باردا ، فدلّ علفت على سقيت.
__________________
(١) سورة يوسف ، الآية : ٨٢.
(٢) انظر أيضا المائدة : ٩٣ من الأمالي ، ٢ : ٣١٢.
(٣) البيت في (الحيوان ٤٠ / ٦) ونسبه إلى خالد بن الطيفان ؛ والرواية فيه :
تراه كأنّ ل لله يجدع أنفه |
|
وأذنيه إن مولاه ثاب له وفر |
(٤) الجسأ : اليبس ، والبدد : تباعد ما بين اليدين أو الفخذين.
(٥) البيت من شواهد النحاة في باب المفعول معه على أنه إذا لم يمكن عطف الاسم الواقع بعد الواو على ما قبله تعين النصب على المعية ، أو على إضمار فعل يليق به. وهو في ابن عقيل ١ / ٥٢٤ ، غير منسوب.