قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) إلى آخر الآية ؛ ونبّه في آخرها على وجوب توحيده والإخلاص له ، وألّا يشرك به شيء ، بقوله تعالى : (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
ومعنى قوله تعالى : (جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً) أي يمكن أن تستقرّوا عليها وتفرشوها وتتصرّفوا فيها ؛ وذلك لا يمكن إلّا بأن تكون مبسوطة ساكنة دائمة السكون.
وقد استدل أبو عليّ بذلك ، وبقوله تعالى : (جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً) على بطلان ما تقوله المنجّمون من أنّ الأرض كريّة الشكل ؛ وهذا القدر ولا يدرك ؛ لأنّه يكفي في النعمة علينا أن يكون فيها بسائط ومواضع مسطوحة يمكن التصرّف عليها ؛ وليس يجب أن يكون جميعها كذلك ؛ ومعلوم ضرورة أنّ جميع الأرض ليس مسطوحا مبسوطا وإن كان مواضع التصرّف منها بهذه الصفة ، والمنجّمون لا يدفعون أن يكون في الأرض بسائط وسطوح يتصرّف عليها ، ويستقرّ فيها ؛ وإنّما يذهبون إلى أن بجملتها شكل الكرة.
وليس له أن يقول : قوله : و (جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً) يقتضى الإشارة إلى جميع الأرض وجملتها ؛ لا إلى مواضع منها ، لأن ذلك تدفعه الضرورة من حيث أنّا نعلم بالمشاهدة أنّ فيها ما ليس ببساط ولا فراش ؛ ولا شبهة في أنّ جعله تعالى السماء على ما هي عليه من الصّفة ممّا له تعلّق بمنافعنا ومصالحنا. وكذلك إنزاله تعالى منها الماء الذي هو المطر الذي تظهر به الثمرات فننتفع بنيلها والاغتذاء بها.
فأمّا قوله تعالى : (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) فإن الندّ هو المثل والعدل ؛ قال حسّان بن ثابت :
أتهجوه ولست له بندّ |
|
فشرّكما لخيركما الفداء (١) |
فأمّا قوله تعالى : (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) فيحتمل وجوها :
__________________
(١) ديوانه : ٩.