ويقال لهم فيما تعلّقوا به ثانيا : أمّا الكتمان فلا يستعمل إلّا فيما يجب إظهاره ، أو تقوى الدواعي إلى ذلك فيه ، فمن أين لكم أنّ خبر الواحد له هذه الصفة ، حتّى يطلق فيه الكتمان؟! والآية تدلّ على الاختصاص بنقل القرآن ؛ لأنّه قال : (ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى) (١) ، وما أنزل الله تعالى هو القرآن.
ويقال لهم فيما تعلّقوا به ثالثا : هذه الطريقة مبنيّة على دليل الخطاب ، وقد بيّنّا فيما تقدّم فساد ذلك. وبعد ، فالتّعليل في الآية أولى أن يعوّل عليه من دليل الخطاب ، وهو قوله تعالى : (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) (٢) ، وهذه العلّة قائمة في خبر العدل. وقد قيل : إنّ هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة ، وقد ولّاه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم صدقات بعض العرب ، فعاد إليه يذكر أنّهم منعوا الصدقات ، فهمّ الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بإرسال الجيوش إليهم ، فنزلت الآية بيانا له ، وليعلم الرسول عليهالسلام أنّ الوليد بهذه الصفة ؛ لأنّه إنّما ولّاه على ظاهر أمره.
ويقال لهم فيما تعلّقوا به رابعا : ليس يجوز أن يؤمر بأن يبلغ إلّا بما هو حجّة في نفسه يجب العمل به ، وهذا يقتضى أن يدلّ على أنّ الخبر الواحد بهذه الصفة حتّى يصحّ الإبلاغ به ، ومن مذهب من خالفكم في هذه المسألة أنّ الإبلاغ لا يصحّ إلّا بما هو حجّة توجب العلم ، أو بتواتر ، أو إجماع ، أو قول إمام معصوم نائب عنه عليهالسلام وخليفة له بعد وفاته.
ويقال لهم فيما تعلّقوا به خامسا : أنتم تعلمون بأيّ شيء تدفع الإماميّة هذه الطريقة ، وهو أنّها تقول إنّما عمل بأخبار الآحاد من الصحابة المتأمّرون الّذين يحتشم التصريح بخلافهم ، والخروج عن جملتهم ، فالإمساك عن النكير عليهم لا يدل على الرضا بما فعلوه ؛ لأنّنا كلّنا نشترط في دلالة الإمساك على الرضا أن لا يكون له وجه سوى الرضا من تقيّة وخوف وما أشبه ذلك ، فبطل أن يكون ما ذكرتموه إجماعا ، غير أنّا نعدل عن استعمال هذه الطريقة في هذا الكتاب ؛ لأنّها تحوج إلى الكلام في الإمامة ، وينتقل من أصول الفقه إلى أصول الدين ، ولأنّها
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ١٥٩.
(٢) سورة الحجرات ، الآية : ٦.