وابن قولويه (١) والصدوق (٢) في أثناء الغيبة الكبرى أو بعدها بقليل في مدينة بغداد دليل على قدرة وسعة المجتمع الشيعي ومكانته وقوّة السنة العلمية الشيعيّة في هذه المدينة.
وبعد فترة وجيزة من انتهاء الغيبة الصغرى في بغداد نشأ أوّل عصر للمرجعيّة الشيعيّة والحوزة العلميّة بمفهومها العصري للحوزة اليوم. وكان أوّل من انشأ تلك الحوزة الشيخ محمّد بن محمّد النعمان المشهور بالشيخ المفيد.
وإذا ما أضفنا نفوذ الحكومة الشيعية الّتي أوجدها البويهيون إلى جهود الشيخ وتلامذته لا تضح لنا صدق كلام ابن كثير المؤرّخ الشامي بأنّ أكثر الناس في تلك الفترة مالوا إلى التشيّع.
لقد كان درس الشيخ ينعقد في مسجده في ممرّ درب الرياح الواقع في منطقة الكرخ أو في بيته الّذي يقع في تلك المنطقة بالذات. وكانت هذه المجالس منتجعا علميّا لجميع العلماء والدارسين ، وكان من مكانة هذا الرجل الاجتماعية أن كان يزوره عضد الدولة الديلمي في بيته أو يحضر في حلقة درسه (٣).
لقد كانت هذه الكلمات خلاصة لما كانت تعيشه بغداد الّتي نما ونشأ فيها السيّد المرتضى ، ويتّضح من خلال ما مرّ أنّ بغداد كانت تمثل الأرضية المناسبة
__________________
ـ يخفى أنّ الشيخ حسين بن روح النوبختي توفّي سنة ٣٢٦ وهكذا يعلم أنّه رحمهالله قدم بغداد أكثر من مرّة إذ قال النجاشي : «أخبرنا أبو الحسن العبّاس بن عمر بن العبّاس بن محمّد بن عبد الملك بن أبي مروان الكلوذاني رحمهالله قال : أخذت إجازة عليّ بن الحسين بن بابويه لما قدم بغداد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة بجميع كتبه». رجال النجاشي : ٢٦١ و ٢٦٢.
(١) استاذ الشيخ المفيد في الفقه ؛ قال النجاشي في رجاله ؛ ١٢٣ : «وعليه قرأ شيخنا أبو عبد الله الفقه ومنه حمل» ووصفه الشيخ المفيد في كتاب مصابيح النور بالصدوق ؛ قال : «أخبرني الشيخ الصدوق أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه رحمهالله» رجال النجاشي : ٤٤٧.
(٢) في رجال النجاشي : ٣٨٩ : «محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي أبو جعفر ، نزيل الري ، شيخنا وفقيهنا ووجه الطائفة بخراسان ، وكان ورد بغداد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة ، وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السن» وقيل : إنّ الجملة الأخيرة ترتبط بوروده ببغداد ؛ وفيه نظر.
(٣) تلخيص وتعريب من مقالات مؤتمر تكريم الشريف الرضي رحمهالله.